الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٧٠
أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله تعملون بصير. والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم. والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم.
____________________
هاجروا: أي فارقوا أوطانهم وقومهم حبا لله ورسوله هم المهاجرون. والذين آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم هم الأنصار (بعضهم أولياء بعض) أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث، وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله تعالى - وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض -.
وقرئ من ولايتهم بالفتح والكسر: أي من توليهم في الميراث، ووجه الكسر أن تولى بعضهم بعضا شبه بالعمل والصناعة كأنه بتوليه صاحبه يزاول أمرا ويباشر عملا (فعليكم النصر) فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين (إلا على قوم) منهم (بينكم وبينهم) عهد فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال إذ الميثاق مانع من ذلك (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ظاهره إثبات الموالاة بينهم كقوله تعالى في المسلمين - أولئك بعضهم أولياء بعض - ومعناه: نهى المسلمين عن موالاة الذين كفروا وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضا، ثم قال (إلا تفعلوه) أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى في التوارث تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة، ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار، ولم تجعلوا قرابتهم كلا قرابة تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا. وقرئ كثير بالثاء (أولئك هم المؤمنون حقا) لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والانسلاح من المال لأجل الدين، وليس بتكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم والشهادة لهم مع الموعد الكريم، والأولى للأمر بالتواصل (والذين آمنوا من بعد) يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة كقوله - والذين جاءوا من بعدهم يقولوا ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان - ألحقهم بهم وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا (وأولوا الأرحام) أولوا القرابات أولى بالتوارث، وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة (في كتاب الله) تعالى في حكمه وقسمته، وقيل في اللوح، وقيل في القرآن وهو آية المواريث. وقد استدل به أصحاب أبي حنيفة رحمه الله على توريث ذوي الأرحام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة، وشاهد أنه برئ من النفاق وأعطى عشر حسنات بعدد كل منافق ومنافقة. وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته في الدنيا ".
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»