الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٩
وإما ينزغنك ممن الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون. وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. واذكر ربك
____________________
الصادق أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) وإما ينخسنك منه نخس بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به (فاستعذ بالله) ولا تطعه، والنزغ والنسغ: الغرز والنخس، كأنه ينخس الناس حين يغريهم على المعاصي، وجعل النزغ نازغا كما قيل جد جده. وروى " أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يا رب والغضب؟ فنزل - وإما ينزغنك من الشيطان نزغ - " ويجوز أن يراد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب كقول أبى بكر رضي الله عنه: إن لي شيطانا يعتريني (طيف ممن الشيطان) لمة منه مصدر، من قولهم طاف به الخيال يطيف طيفا قال:
* أنى ألم بك الخيال يطيف * أو هو تخفيف طيف فيعل من طاف يطيف كلين، أو من طاف يطوف كهن.
وقرئ طائف وهو يحتمل الأمرين أيضا، وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان، وأن المتقين هذه عادتهم إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته (تذكروا) ما أمر الله به ونهى عنه فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه أنفسهم. وأما إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين فإن الشياطين يمدونهم في الغى: أي يكونون مددا لهم فيه ويعضدونهم. وقرئ يمدونهم من الإمداد، ويمادونهم بمعنى يعاونونهم (ثم لا يقصرون) ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا، وقوله وإخوانهم يمدونهم كقوله * قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها * في أن الخبر جار على ما هو له، ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين، ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين فيكون الخبر جاريا على ما هو له، والأول أوجه لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. فإن قلت: لم جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد؟ قلت: المراد به الجنس كقوله - أولياؤهم الطاغوت - اجتبى الشئ بمعنى جباه لنفسه: أي جمعه كقولك اجتمعه، أو جبى إليه فاجتباه: أي أخذه كقولك: جليت إليه العروس فاجتلاها ومعنى (لولا اجتبيتها) هلا اجتمعتها افتعالا من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون - إن هذا إلا إفك مفترى - أو هلا أخذتها منزلة عليك مقترحة (قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى) ولست بمفتعل للآيات أو لست بمقترح لها (هذا بصائر) هذا القرآن بصائر (من ربكم) أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب (إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة، وقيل كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن، وقيل معناه: وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له. وقيل معنى فاستمعوا له: فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه (واذكر ربك في
(١٣٩)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»