الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٦
بذكرها فجعله متعلقا بذكر التسمية، فلا يقتضى فرقا يعتد به في المعنى (قوله مع توصيتهم بتجريد القرآن) اعترض عليه بأنه أثبت في المصحف أسماء السور وأعداد الآي. وأجيب بأن من فعل ذلك فقد ميزه وأثبته بلون آخر (قوله وأربع عشرة آية) الظاهر ثلاث عشرة لخلو براءة عن التسمية. وأجيب بوجوه: الأول أنه اعتقد وجود التسمية في براءة، ويؤيده أنه سأل عثمان رضي الله عنه عن ترك التسمية فيها كما نقله المصنف هناك. الثاني أنه اعتبر بنزول الفاتحة مرتين ففيهما تسميتان هما آيتان. ويرد عليه أن الفاتحة حينئذ أربع عشرة، وقد مر أنها سبع آيات اتفاقا.
الثالث أنه أراد ترك التسمية مطلقا فيتناول ما في أثناء سورة النمل، وهى وإن كانت بعض الآية يتضمن تركها، واعترض عليه بأن النزاع بين الأئمة إنما وقع في التسمية في أوائل السور، فالظاهر أن كلامه رضي الله عنه كان فيها. الرابع أنه أراد إلحاق المعدوم بالمتروك تغليبا وتوبيخا. ويتجه عليه أن جعله من باب التغليب يسقط الاستدلال به على المطلوب لجواز أن يكون التغليب في أكثر من سورة واحدة. ورد أيضا بأن عكسه: أعني إلحاق المتروك بالمعدوم أدخل في التغليظ والتوبيخ، وفيه بحث لأن تغليب المعدوم على المتروك يوجب فوات نسبة الفعل إلى التارك صريحا، إذ يصير حينئذ نظم الكلام هكذا من تركها فقد عدم مائة وأربع عشرة آية، ولا شك أن التصريح بنسبة الفعل القبيح إليه أبلغ في ذمه وأقوى في زجره من أن يجعل سببا للفعل في الجملة، ولا مجال لاعتبار الإعدام بأن يقال فقد أعدم مائة وأربع عشرة آية، إذ ليس منه إعدام أصلا فكيف يتصور التغليب (قوله بم تعلقت الباء) الأدوات التي تفضى بمعاني الأفعال إلى ما بعدها فروع لها ومتعلقة بها، وكذلك المعمول من حيث هو معمول فرع على عامله ومتعلق به فلذلك قال: بم تعلقت الباء، وتراهم يقولون: أحوال متعلقات الفعل بكسر اللام، وإذا نظر إلى جانب المعنى قيل: تعلق الفعل بكذا، إما بنفسه أو بواسطة حرف (قوله أقرأ أو أتلو) تنبيه على أن المعتبر خصوص المعنى دون اللفظ (قوله لأن الذي يتلو التسمية مقروء) بيان للقرينة المعينة، فإن حرف الجر وإن اقتضى فعلا يجر معناه إلى مجروره، لكن لا تتخطى دلالته مطلق الفعل، فاحتيج في تعيينه إلى قرينة أخرى، ولقد بالغ في تقرير الجواب حيث بين أولا حال المسؤول عنه، ثم زاده بيانا بالكشف عن حال مثالين كثيري الوقوع مشاركين له في خصوص الجار والمجرور واعتبار التقديم. ثم أشار إلى ضابطه لنوع المسؤول عنه، ثم أورد نظيره
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»