الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٤٦
فلا مجال للعطف بينهما (قوله وفائدته) يريد أن لضمير الفصل فوائد: الأولى الدلالة على أن ما ورد بعده خبر لما قبله لانعت له ولذلك سمى فصلا. الثانية توكيد الحكم للدلالة على ربط المسند إليه. وقيل توكيد المحكوم عليه لأنه راجع إليه فهو تكرير له. الثالثة الدلالة على حصر المسند في المسند إليه فعلا كان أو اسما، معرفا كان أو منكرا، فإن قولك زيد هو أفضل من عمرو: معناه بالفارسية زيد أو ست كمه أفضلست از عمرو. ومنهم من استشهد على إفادته الحصر بالاستعمال في مثل - إن الله هو الرزاق - وكنت أنت الرقيب - ثم قال: وهذا إنما يتم إذا استفيد منه التخصيص فيما كان الخبر فيه نكرة، وإلا فتعريف الخبر باللام الجنسية هو المفيد لحصره على المبتدأ وإن لم يكن هناك فصل كقولك زيد الأمير (قوله أو هو مبتدأ) قسيم لقوله هم فصل، قيل هذا جار على تقديري العهد والجنس، وأما كونه فصلا فمخصوص بالجنس (قوله على أن المتقين هم الناس الذين الخ) فاللام في المفلحون حينئذ لتعريف العهد الخارجي، ولا حاجة إلى اعتبار قصر كما إذا قلت الزيدون هم المنطلقون إشارة إلى المعهودين بالانطلاق إلا أن تجعل كلمة هم فصلا فتقصد إلى قصر المسند على المسند إلى إفرادا دفعا لما عسى أن يتوهم من تناول المعهودين بالفلاح في الآخرة غير المتقين أيضا (قوله فقيل زيد التائب) اعترض عليه بأنه غير مستقيم، فإنك قد عرفت أن إنسانا قد تاب فأنت بسؤلك عنه طالب تعيينه بأن تحكم عليه بأنه زيد مثلا. فالجواب المطابق التائب زيد حتى لو اقتصر على ذكر زيد كان خبرا لمبتدأ محذوف لا مبتدأ خبره محذوف. وأجيب بأن الضمير في قولك من هو راجع إلى التائب: أي من التائب، فمن مبتدأ والتائب خبره كما هو مذهب سيبويه. والمعنى:
أزيد التائب أم عمرو أم غيرهما؟ فالمطلوب بهذا السؤال أن يحكم بالتائب على خصوصية ما من تلك الخصوصيات، فالصحيح ما ذكره العلامة ليكون الجواب مطابقا للسؤال والمثال موافقا النظم التنزيل في كون الخبر معرفا بلام العهد، نعم إن جعل كلمة من خبرا مقدما كان الحق ما ذكره المعترض إلا أنه يفوت موافقة المثال للمقصود. والعجب أن هذه مع شدة وضوحه قد خفى على كثير من الأذهان، وأعجب منه أن بعضهم نبه على ما قررناه ولم يتنبه له وزعم أن دعوى رعاية المطابقة منقوضة بأن من قام جملة اسمية. وقد يجاب بجملة فعلية كقوله تعالى - قل يحييها الذي أنشأها أول مرة - في جواب - من يحيى العظام - وقوله تعالى - ليقولن خلقهن العزيز العليم - في جواب من خلق السماوات والأرض - ولم يدر أن المحكوم عليه حقيقة في زيد قام هو زيد قدم أو أخر، فالسائل بمن قام طالب الحكم بالقيام على زيد أو عمرو، فإذا أجيب بقام زيد طابق سؤاله في المعنى، وإن خالفه في اللفظ بكونه جملة فعلية لسر يطلعك عليه إذا حان وقته، بخلاف زيد التائب فإن التقديم فيه يوجب اختلاف المحكوم عليه، فتفوت المطابقة المعنوية التي تحت المحافظة عليها كما في قولك أخوك زيد وزيد أخوك. ثم إن هذا الزاعم بتحيره في توجيه هذا المقام ذكر أن للشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز كلاما يؤيد أوله كلام المصنف وآخره كلام المعترض. وهذا
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»