الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٢٧
عليه بلفظ محذوف لم يكن في ضمن المذكور فكيف قيل إنه مضمن إياه؟ قلت: لما كان مناسبة المعنى للمذكور بمعونة ذكر صلته قرينة على اعتباره جعل كأنه في ضمنه، ومن ثم كان جعله حالا وتبعا للمذكور أولى من عكسه وقيل ذكر صلة المتروك يدل على أنه المقصود أصالة. ورد بأنه يدل على أنه مراد في الجملة إذ لولاه لم يكن مرادا أصلا.
وربما يقال أريد كلا المعنيين معا في التضمين بلفظ واحد على أنه كناية، إذ يراد بها معناها الأصلي ليتوسل بفهمه إلى ما هو المقصود الأصلي الحقيقي، فلا حاجة إلى تقدير إلا لتصوير المعنى وإبرازه فينقلب الحال، وفيه ضعف لأن المكنى به في الكناية قد لا يقصد ثبوته، وفى التضمين يجب أن يقصد ثبوت كل واحد من المضمن والمضمن فيه. ولو قيل أريد بلفظ المذكور معناه قصدا وما يناسبه تبعا له وجعل ذكر صلته دليلا على أنه مقصود منه كذلك فلا يكون اللفظ مستعملا إلا في معناه حقيقة ولم يكن هناك محذوف لم يكن بعيدا بل كان أقرب إلى مفهوم التضمين (قوله وأما ما حكى أبو زيد) يريد أن الإيمان مستعمل بمعنى الوثوق مأخوذا من الأمن على أن الهمزة للصيرورة فإن من وثق بشئ صار ذا أمن به، وفسر الأمن بالسكون والطمأنينة فإن الآمن يجدهما من نفسه كما أن الخائف يجد قلقا واضطرابا. وأشار بقوله: حكى أبو زيد إلى قلة استعماله في هذا المعنى وكونه مجازا فيه كما أشار إلى كثرة استعماله في التصديق بقوله ثم يقال، فيكون قوله فحقيقته صرت ذا أمن به مجرى على ظاهره، والظرف أعني به مستقر صفة لأمن بخلاف به في قولك وثقت به فإن الباء صلة للوثوق. ولما ذكر أن الإيمان بمعنى التصديق يتعدى بنفسه كان مظنة لأن يتردد في حال الباء التي تستعمل معه ففصله وحققه بقوله وأما تعديته، ولما بين أن حقيقة الإيمان بذلك المعنى ما هي اقتضى أن يعقبه ببيان حقيقته بمعنى الوثوق (قوله ما آمنت أن أجد صحابة) أي رفقا وهذا كلام يقوله من نوى سفرا ثم تأخر عنه لهذا العذر (قوله ويجوز أن لا يكون) عطف بحسب المعنى على قوله وكلا الوجهين حسن في يؤمنون بالغيب كأنه قال: ويحسن أن يكون بالغيب صلة للإيمان إما أصالة أو تضمينا، ويجوز أن لا يكون صلة له (قوله وحقيقته ملتبسين بالغيب) يريد أن ما ذكره أولا حاصل معناه وحقيقته هذا (قوله أن أصحاب عبد الله) قد مر أنه إذا أطلق يراد به ابن مسعود، فالأنسب أن يقال فقال عبد الله، وكأنه أراد مزيد توضيح واحتراز عن تكرير اللفظ (قوله من إيمان بغيب) أي ملتبس بغيب عن المؤمن به وهو إيمان من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله غائبا عنه ولم يره، ولما استشهد بالآية دل على أنها محمولة على هذا المعنى (قوله فما المراد) تفريع على ما جوزه من كون الباء صلة وغير صلة عنده فإنه مما يحرك للسؤال عن معنى الغيب وأنه
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»