التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٥٣
استواء حال الناس في الظاهر لم يكن بعضهم أحق عندهم بانزال الوحي عليه من بعض. وقد وصفوا أنفسهم أن حاله مساوية لأحوالهم فجاء من هذا ألا يكون أحق بالوحي الذي ينزل عليه منهم، واغفلوا أن الله اعلم بمصالح عباده ومن يصلح للقيام برسالته ممن لا يصلح.
ثم حكى ما قالوه في صالح، فإنهم قالوا (بل هو كذاب) في دعواه أنه نبي أوحى الله إليه (أشر) أي بطر، فالأشر البطر الذي لا يبالي ما قال. وقيل: هو المرح الطالب للفخر وعظم الشأن، يقال: أشر يأشر أشرا كقولك: بطر يبطر بطرا وأشر واشر مثل حذر وحذر، وعجل وعجل وفطن وفطن ونحس ونحس. فقال:
الله تعالى على وجه التهديد لهم (ستعلمون غدا من الكذاب الأشر) وقرأ أبو قلابة (الكذاب الأشر) وهذا ضعيف، لأنهم يقولون: هذا خير من ذا وشر من ذا، ولا يقال: أشر، ولا أخير إلا في لغة ردية. ومن قرأ (ستعلمون) بالتاء على وجه الخطاب إليهم أي قل لهم، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم. ومن قرأ بالياء فعلى وجه الاخبار عن الغائب وهي قراءة الباقين، لان الكذاب الأشر يوم القيامة يعاقبه الله بعذاب النار، فيعلم حينئذ أي الفريقين هم.
وقرب الله تعالى القيامة كقرب غد من اليوم. والفرق بين قوله (ستعلمون غدا من الكذاب) وبين قوله لو قال (ستعلمون غدا الكذاب الأشر) أن الأول يفيد فريقين التبس الكذب بكل واحد منهما فيأتي العلم مزيلا لذلك الالتباس وليس كذلك الثاني.
ثم بين تعالى أنه ارسل الناقة وبعثها بأن أنشأها معجز لصالح، لأنه أخرجها من الجبل الأصم يتبعها ولدها. وقوله (فتنة لهم) نصب (فتنة) على أنه مفعول له. ومعنى ذلك ابتلاء لهم ومحنة، لأنه تعالى نهاهم ان ينالوها بسوء مع تضيق الشرب
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست