التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٩٦
آخر من الأصنام والأوثان " اني لكم منه نذير مبين " أي من الله مخوف من عقابه مظهر ما أوجب عليكم وأمركم به. وقيل: الوجه في تكرار (اني لكم منه نذير مبين) هو ان الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول إذ تقديره اني لكم منه نذير مبين في الامتناع من جعل اله آخر معه، وتقدير الأول اني لكم منه نذير مبين في ترك الفرار إليه بطاعته فهو كقولك: أنذرك أن تكفر بالله أنذرك ان تتعرض لسخط الله، ويجوز أن يقول الله ولا تجعلوا مع الله قديما آخر، كما قال (ولا تجعلوا مع الله إلها) لان جعلهم ذلك باعتقادهم إلها معه أو اظهارهم انه مذهب لهم. ولا يجوز ان يقول: لا تكونوا قدماء مع الله لأنه نهي عما لا يمكن، وهو محال، وكذلك لا يجوز ان يقول لا تصيروا قدماء ولا آلهة، لأنه محال.
والنذير هو المخبر بما يحذر منه ويصرف عنه وهو يقتضي المبالغة. والمنذر صفة جارية على الفعل تقول: انذر ينذر انذارا، فهو منذر، ونذره أي علم به واستعد له والمبين الذي يأتي ببيان الحق من الباطل.
ثم قال مثل ما أتى هؤلاء الكفار نبي فكذبوه (كذلك ما أتى الذين من قبلهم) من الأمم (رسول إلا قالوا) هو (ساحر أو مجنون) فالساحر هو الذي يحتال بالحيل اللطيفة. والمجنون الذي به جنون. وإنما قال الجهال ذلك في الرسل لان الاقدام عندهم على إنكار عبادة الأوثان لا يكفي فيه الشبهة دون الجنة، فالمجنون المغطى على عقله بمالا يتوجه للادراك به، فكذلك شبه حال قريش في التكذيب بحال. الأمم حتى قالوا: سحر أو مجنون. وإنما جاز منهم الاتفاق على تكذيب الرسل من غير تواص ولا تلاق، لان الشبهة الداعية إليه واحدة.
وقوله (اتواصوا) فالتواصي هو إيصاء بعض القوم إلى بعض بوصية، والوصية التقدمة في الامر بالأشياء المهمة مع النهي عن المخالفة، كالوصية بقضاء الدين ورد
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»
الفهرست