التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٢٣
التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل، فإن كان هذا الفعل لا يصح إلا بآلة، فالتمكين باعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة، وكذلك إن كان لا يصح الفعل إلا بعلم، ونصب دلالة، وصحة سلامة، ولطف وغير ذلك، فاعطاء جميع ذلك واجب. وإن كان الفعل يكفي - في صحة وجوده - مجرد القدرة، فخلق القدرة هو التمكين. ثم وصفهم.
فقال: هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله، (إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة) يعني أدوها بحقوقها، وقيل: معناه داموا عليها (وآتوا الزكاة) أي وأعطوا ما افترض الله عليهم في أموالهم من الزكوات وغيرها (وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر). وفي ذلك دلالة على أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، لان ما رغب الله فيه، فقد اراده، وكل ما أراده من العبد، فهو واجب إلا أن يقوم دليل على ذلك أنه نفل، لان الاحتياط يقتضي ذلك. و (المعروف) هو الحق، وسمي معروفا لأنه تعرف صحته. وسمي المنكر منكرا، لأنه لا يمكن معرفة صحته.
وقوله " ولله عاقبة الأمور " معناه تصير جميع الاملاك لله تعالى، لبطلان كل ملك سوي ملكه. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله مسليا له عن تكذيب قومه له وقلة قبولهم منه: " وان يكذبوك " يا محمد في ما تدعيه من النبوة " فقد كذبت قبلهم قوم نوح " نوحا، وكذبت قوم " عاد " هودا وقوم " ثمود " صالحا " وقوم إبراهيم " إبراهيم " وقوم لوط " لوطا " وأصحاب مدين " شعيبا " وكذب " أصحاب موسى " موسى " وإنما قال " وكذب موسى " ولم يقل وقوم موسى، لان قومه بني إسرائيل، وكانوا آمنوا به وإنما كذبه قوم فرعون " فأمليت للكافرين " اي أخرت عقابهم وحلمت عنهم " ثم أخذتهم " فاستأصلتهم بأنواع الهلاك " فيكف كان نكير " أي عذابي لهم، وإنما اقتصر على ذكر أقوام بعض الأنبياء، ولم يسم أنبياءهم، لدلالة الكلام عليه.
ثم قال تعالى " وكأين من قرية " معناه وكم من أهل قرية " أهلكناها " لما
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست