التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٠١
والعكوف لزوم الشئ مع القصد إليه على مرور الوقت، ومنه الاعتكاف في المسجد. ثم اخبر تعالى أن موسى لما رجع إلى قومه، قال لهارون " يا هارون ما منعك ألا تتبعني " قال ابن عباس: معناه بمن أقام على إيمانه. وقال ابن جريج: معناه ألا تتبعني في شدة الزجر لهم عن الكفر. ومعنى (ألا تتبعني) ما منعك أن تتبعني و (لا) زائدة، كما " قال ما منعك ألا تسجد إد أمرتك " (1) وقد بينا القول في ذلك. وإنما جاز ذلك لأنه المفهوم أن المراد ما منعك بدعائه لك إلى أن لا تتبعني فدخلت (لا) لتنبئ عن هذا المعنى، وهو منع الداعي دون منع الحائل.
وقوله " أفعصيت أمري " صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير، لان موسى كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره، فقال له هارون في الجواب " لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي " حين اخذ موسى بلحيته ورأسه. وقيل في وجه ذلك قولان:
أحدهما - ان عادة ذلك الوقت أن الواحد إذا خاطب غيره قبض على لحيته، كما يقبض على يده في عادتنا، والعادات تختلف ولم يكن ذلك على وجه الاستخفاف.
والثاني - انه أجراه مجرى نفسه إذا غضب، في القبض على لحيته، لأنه لم يكن يتهم عليه، كما لا يتهم على نفسه.
وقوله " إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل " معناه إني خفت أني أن فعلت ذلك على وجه العنف والاكراه أن يتفرقوا وتختلف كلمتهم ويصيروا أحزابا، حزبا يلحقون بموسى وحزبا يقيمون مع السامري على اتباعه، وحزبا يقيمون على الشك في أمره. ثم لا يؤمن إذا تركتهم كذلك أن يصيروا بالخلاف إلى سفك الدماء، وشدة التصميم على أمر السامري، فاعتذر بما مثله يقبل، لأنه وجه

(1) سورة 7 الأعراف آية 11.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست