فإنما أعمل الأول للضرورة، لأنه لم يجعل القليل مطلوبا وإنما كان المطلوب عنده الملك. وجعل القليل كافيا. ولو لم يرد هذا ونصب، لفسد المعنى. فاما من نصب بتقدير واغسلوا أرجلكم، كما قالوا:
متقلدا سيفا ورمحا وعلفها تبنا وماء باردا فقد أخطأ، لان ذلك إنما يجوز إذا استحال حمله على اللفظ. فاما إذا جاز حمله علي ما في اللفظ، فلا يجوز هذا التقدير. ومن قال يجب غسل الرجلين، لأنها محدودتان كاليدين، فقوله ليس بصحيح، لأنا لا نسلم ان العلة في كون اليدين مغسولتين كونهما محدودتين. وإنما وجب غسلهما، لأنهما عطفا على عضو مغسول. وهو الوجه. فكذلك إذا عطف الرجلين على ممسوح هو الرأس، وجب أن يكونا ممسوحين. والكعبان عندنا هما الناتئان في وسط القدم. وبه قال محمد بن الحسن وإن أوجب الغسل. وقال أكثر المفسرين والفقهاء: الكعبان هما عظما الساقين يدل على ما قلناه أنه لو أراد ما قالوا، لقال إلى الكعاب، لان في الرجلين منها أربعة. وأيضا فكل من قال: يجب مسح الرجلين، ولا يجوز الغسل قال الكعب هو ما قلناه، لان من خالف في أن الكعب ما قلناه على قولين: قائل يقول بوجوب الغسل، وآخر يقول بالتخيير. قال الزجاج: كل مفصل للعظام فهو كعب.
وفي الآية دلالة على وجوب الترتيب في الوضوء من وجهين:
أحدهما - ان الواو يوجب الترتيب لغة على قول الفراء وأبي عبيد وشرعا على قول كثير من الفقهاء، ولقوله (عليه السلام): ابدأوا بما بدأ الله به.
والثاني - ان الله أوجب على من يريد القيام إلى الصلاة إذا كان محدثا أن يغسل وجهه أولا، لقوله: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " والفاء توجب التعقيب والترتيب بلا خلاف، فإذا ثبت أن البداءة بالوجه هو الواجب، ثبت في باقي الأعضاء، لان أحدا لا يفرق ويقويه قوله (عليه السلام) للاعرابي - حين علمه الوضوء، فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فإن كان رتب فقد بين انه الواجب الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، وان لم يرتب لزم أن يكون من رتب،