بأن قالوا: توعد الله على اتباع غير سبيل المؤمنين كما توعد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله فلولا أن اتباعهم واجب لم يجز ذلك، وهذا ليس بصحيح من وجوه:
أحدها - أن الآية نزلت في من تقدم ذكره وكان قد ارتد ولحق بالمشركين فيجب أن يتناوله ويتناول كل من يجري مجراه من المرتدين ومخالفي الاسلام.
والثاني - أن من أصحابنا من قال: لا نسلم أنه أزاد ب (من) في هذه الآية الاستغراق، ولا بلفظة (سبيل) جميع السبل، ولا ب (المؤمنين) جميع المؤمنين، فمن أين لهم وجوب الاستغراق. وإذا احتمل التخصيص، جاز لنا أن نحمل على سبيل الايمان الذي من خالفه كان كافرا، أو المؤمنين أراد به الأئمة المعصومين، ولو جاز حملها على العموم، لوجب حملها على أهل جميع الأعصار على وجه الجمع دون أهل كل عصر، لان العموم يقتضي ذلك، فإذا خصوا بأهل كل عصر، خصصنا ببعض أهل العصر على أنه إنما حرم اتباع غير سبيل المؤمنين، فمن أين وجوب اتباع سبيلهم، ولم لا يجوز أن يكون اتباع غير سبيلهم محصورا. واتباع سبيلهم موقوفا على الدليل، ويجوز أن يكون أيضا محظورا مثله أو مباحا أو مندوبا، فمن أين الوجوب مع احتمال جميع ذلك على أنه لو سلم جميع ذلك، لكان يجب علينا اتباع إذا كانوا مؤمنين، لأنه هكذا أوجب، فمن أين انهم لا يخرجون عن كونهم مؤمنين. ووجوب الاتباع تابع لكونهم مؤمنين، فيحتاجون إلى دليل آخر في أنهم لا يخرجون عن كونهم مؤمنين غير الآية على أن ظاهر الآية يتضمن أن من شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين يتناوله الوعيد، فمن أين أنه إذا انفرد أحدهما عن الآخر يتناوله الوعيد. ونحن إنما نعلم تناول الوعيد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله بانفرادها بدليل غير الآية، فعلى من خالف أن يقول: إن اتباع غير سبيل المؤمنين يتناوله الوعيد بدليل غير الآية. وقد استوفينا ما في هذه الآية في أصول الفقه، وغيره من كتبنا مشروحا لا نطول بذكره ها هنا.