أفقه منه معناه - والله أعلم - أن الأفطن ربما فطن بفضل فقهه من فوائد اللفظ بما لم يفطن له الراوي، لأنه ربما كان دونه في الفقه.
وأما المعقول فمن وجهين:
الأول - إنا لما جربنا رأينا أن المتأخر ربما استنبط من فوائد آية أو خبر ما لم يتنبه له أهل الأعصار السالفة من العلماء والمحققين - فلو جوزنا النقل بالمعنى فربما حصل التفاوت العظيم، مع أن الراوي يظن أن لا تفاوت.
الثاني - أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه، كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه - بل هذا أولى لأن تبديل لفظ الراوي أولى بالجواز من تبديل لفظ الشارع، وإن كان ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة فذلك يفضي إلى سقوط الكلام الأول، لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لكن لا ينفك عن تفاوت وإن قل، فإذا توالت التفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة.
وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول في الأصول: ونقل الخبر بالمعنى عند أبي الحسين وأبي حنيفة والشافعي جائز خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين بشروط أن لا تزيد الترجمة ولا تنقص ولا تكون أخفى ولا أجلى - لأن المقصود إنما هو إيصال المعاني فلا يضر فوات غيرها، ومتى زادت عبارة الراوي أو نقصت فقد زاد الشرع أو نقص، وذلك حرام إجماعا - ومتى كانت عبارة الحديث جلية فغيرها بعبارة خفية، فقد أوقع في الحديث وهنا يوجب تقديم غيره عليه بسبب خفائه، فإن الأحاديث إذا تعارضت في الحكم الواحد، يقدم أجلاها على أخفاها فإذا كان أصل الحديث جليا فأبدله بخفي فقد أبطل منه مزية حسنة تخل به عند التعارض، وكذلك إذا كان الحديث خفي العبارة فأبدلها بأجلى منها، فقد أوجب له حكم التقديم على غيره - وحكم الله أن يقدم غيره عليه عند التعارض، فقد تسبب بهذا التغيير في العبارة إلى تغيير حكم الله تعالى - وذلك لا يجوز - فهذا هو مستند هذه الشروط فإذا حصلت هذه الشروط فحينئذ يجري الخلاف في الجواز، أما عند عدمها فلا يجوز إجماعا.