شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٩٥
فأما قوله: " قد اصطلحتم على الغل " إلى آخر الفصل، فكلام مقطوع أيضا عما قبله، والغل: الحقد.
والدمن: جمع دمنة، وهي الحقد أيضا، وقد دمنت قلوبهم بالكسر، أي ضغنت، ونبت المرعى عليها، أي دامت وطال الزمان عليها، حتى صارت بمنزلة الأرض الجامدة الثابتة التي تنبت النبات. ويجوز أن يريد بالدمن هاهنا جمع دمن وهو البعر المجتمع كالمزبلة أو جمع دمنة وهي آثار الناس وما سودوا من الأرض، يقال: قد دمن الشاء الماء، وقد دمن القوم الأرض، فشبه ما في قلوبهم من الغل والحقد والضغائن بالمزبلة المجتمعة من البعر وغيره، من سقاطة الديار التي قد طال مكثها حتى نبت عليها المرعى، قال الشاعر:
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا (١).
قوله عليه السلام: " لقد استهام بكم الخبيث "، يعنى الشيطان، واستهام بكم: جعلكم هائمين أي استهامكم، فعداه بحرف الجر، كما تقول في " استنفرت القوم إلى الحرب " استنفرت بهم، أي جعلتهم نافرين. ويمكن أن يكون بمعنى الطلب والاستدعاء، كقولك: استعلمت منه حال كذا، أي استدعيت منه أن يعلمني، واستمنحت فلانا أي طلبت واستدعيت أن يعطيني، فيكون قوله: " واستهام بكم الخبيث "، أي استدعى منكم أن تهيموا وتقعوا في التيه والضلال والحيرة.
قوله " وتاه بكم الغرور " هو الشيطان أيضا، قال سبحانه: ﴿وغركم بالله الغرور﴾ (2). وتاه بكم: جعلكم تائهين حائرين. ثم سأل الله أن يعينه على نفسه وعليهم.
ومن كلام بعض الصالحين: " اللهم انصرني على أقرب الأعداء إلى دارا، وأدناهم منى جوارا، وهي نفسي ".

(١) البيت الزفر بن الحارث. اللسان ١٧! ١٥.
(٢) سورة الحديد ١٤.
(٢٩٥)
مفاتيح البحث: الحرب (1)، سورة الحديد (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303