شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٢١
ثم ظهر المغيرة بن سعيد (1) مولى بجيلة، فأراد أن يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما، وينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا، فغلا في علي عليه السلام، وقال: لو شاء على لأحيا عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا.
وروى علي بن محمد النوفلي، قال جاء المغيرة بن سعيد، فاستأذن على أبى جعفر محمد ابن علي بن الحسين، وقال له: أخبر الناس أنى أعلم الغيب، وأنا أطعمك العراق.
فزجره أبو جعفر زجرا شديدا، وأسمعه ماكره، فانصرف عنه، فأتى أبا هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية رحمه الله، فقال له مثل ذلك - وكان أبو هاشم أيدا - فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفى به على الموت، فتعالج حتى برئ، ثم أتى محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن رحمه الله - وكان محمد سكيتا (2) - فقال له كما قال للرجلين، فسكت محمد فلم يجبه، فخرج وقد طمع فيه بسكوته، وقال: أشهد أن هذا هو المهدى الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه قائم أهل البيت، وادعى أن علي بن الحسين عليه السلام أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن. ثم قدم المغيرة الكوفة، وكان مشعبذا، فدعا الناس إلى قوله، واستهواهم واستغواهم، فاتبعه خلق كثير، وادعى، على محمد ابن عبد الله أنه أذن له في خنق الناس وإسقائهم السموم، وبث أصحابه في الاسفار يفعلون ذلك بالناس، فقال له بعض أصحابه: إنا نخنق من لا نعرف، فقال: لا عليكم! إن كان من أصحابكم عجلتموه إلى الجنة، وأن كان من عدوكم عجلتموه إلى النار، ولهذا السبب كان المنصور يسمى محمد بن عبد الله الخناق، وينحله ما ادعاه عليه المغيرة.
ثم تفاقم أمر الغلاة بعد المغيرة وأمعنوا في الغلو، فادعوا حلول الذات الإلهية

(1) هو المنيرة بن سعيد العجلي، مولى خالد بن عبد الله القسري، وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد بن علي بن الحسين، وبعد ذلك ادعى النبوة ادعى النبوة لنفسه، واستحل المحارم، وغلا في علي غلوا لا يعتقده عاقل، وزاد على ذلك قوله بالتشبيه. الشهرستاني 1: 155.
(2) السكيت، على التصغير: الكثير السكوت.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303