ومنها: ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في جملة حديث قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان، وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث، قال: نعم لا بأس به، قد قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر، والخبر هو النصف (1).
ومنها: ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. قال فقال: ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا فنقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس، قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزل بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه بغير كيل (2).
وقد يقال: لا دلالة في قوله «لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه» إلا على أنه يجوز شراء ما كان حلالا، بل مشتبها أيضا ولا يجوز شراء ما هو معروف أنه حرام، ولا يدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك، ولكن لا ينبغي الحمل عليه، لمنافاته للعقل والنقل، ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التقية، ويؤيد عدم الحمل على الظاهر أنه غير مراد بالاتفاق، إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر.
وفيه نظر، لأن السؤال وقع عن إبل الصدقة والجواب أنه «لا بأس به» لا يحتمل أن يكون مفروضا في غيره، لكن لما فرض السائل أنه يعلم أنهم يأخذون أكثر من الحق فقد فرض وقوع حرام في الصدقات التي بأيديهم فوقع الحاجة إلى الاستثناء الذي فعله (عليه السلام)، وكأن غرض السائل كان متعلقا باستعلام الحكم باعتبار الاختلاط المذكور، وكان جواز أصل الصدقة مستغنيا عن البيان عنده.