التمهيد - ابن عبد البر - ج ١٧ - الصفحة ١٢
في هذا الحديث علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن لأن الواحدة ههنا تقوم مقام الجميع في الذكر لأن الألف واللام في الفتنة ليسا إشارة إلى معهود وإنما (1) هما إشارة إلى الجنس مثل قوله * (الزانية والزاني) * و * (والسارق والسارقة) * فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما يطول ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم وقد كانت الفتن في كل ناحية من نواحي الإسلام ولكنها بالمشرق أكثر أبدا ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر وقد يحتمل أن تكون الفتنة في هذا الحديث معناها الكفر وكانت المشرق يومئذ دار كفر فأشار إليها والفتنة لها وجوه في اللغة منها العذاب ومنها الإحراق ومنها الحروب التي تقع بين الناس ومنها الابتلاء والامتحان وغير ذلك على حسبما قد ذكره أهل اللغة وأما قوله من حيث يطلع قرن الشيطان فقد مضى القول فيه في باب زيد بن أسلم (2) عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»