الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٢٧٤
هذا كله في الإمام وفي المنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه كما أن الإمام والمنفرد لا يضر واحدا منهما من مر من وراء سترته لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وقد قيل الإمام نفسه سترة لمن خلفه والدليل على أن ما قلناه كما وصفنا في الإمام والمنفرد دون المأمومين قوله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم يصلي ومعناه عند العلماء إذا كان أحدهم يصلي وحده لحديث بن عباس فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت الصف فلم ينكر ذلك علي أحد (1) وإذا كان الإمام أو المنفرد مصليا إلى سترة فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته هذا كله لا خلاف فيه بين العلماء على ما رسمته ومما يوضح لك أن الإمام سترة لمن خلفه حديث هشام بن الغازي عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فجاءت بهمة تمر بين يديه فجعل يداريها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار فمرت خلفه (2) وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكرناه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفي هذا الحديث دليل على جواز العمل في الصلاة وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز (منه إلا) القليل الذي لا يخرج المصلي عن عمل صلاته إلى غيرها ولا يشتغل به عنها نحو حك الجسد حكا غير طويل (وأخذ البرغوث) وقتل العقرب بما خف من الضرب وقد أوضحنا هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب وأما قوله في (الحديث فإن أبى) فليقاتله فالمقاتلة هنا المدافعة وأحسبه كلاما خرج على التغليط ولكل شيء حد وأجمعوا أنه لا يقاتله بسيف ولا يبلغ به مبلغا يفسد به على نفسه صلاته وفي إجماعهم على هذا ما يبين لك المراد بمعنى (الحديث فإن دافعه مدافعة لا يقصد بها إلا قتله فكان فيها تلف نفسه كان عليه ديته كاملة
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»