الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٨٨
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وكان يصوم النهار ويقوم الليل لا تفعل فإنك إذا فعلت نفهت نفسك (1) أي أعيت وكلت يقال للمعيي منفه ونافه وجمع نافه نفه كذلك فسره أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي عمرو قال الأصمعي الإيفال السير الشديد وأما الوغول فهو الدخول وقد جعل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الغلو في أعمال البر سيئة والتقصير سيئة فقال الحسنة بين السيئتين وأما لفظه في قوله إن الله لا يمل حتى تملوا فهو لفظ خرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز وجل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء جل عن ذلك وتعالى علوا كبيرا وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب فإنهم إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له أو جزءا ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفا له معناه ألا ترى إلى قوله عز وجل " وجزؤا سيئة سيئة مثلها " [الشورى 40] وقوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * [البقرة 194] والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب ومثل ذلك قول الله عز وجل " ومكروا ومكر الله والله خير المكرين " [آل عمران 54] وقوله تعالى " إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم " [القرة 14] وقوله تعالى * (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا) * [الطارق 15 16] وليس من الله مكر ولا هزو ولا كيد إنما هو جزاء مكرهم واستهزائهم وكيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وقبالته فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يمل حتى تملوا أي من مل فقطع عمله انقطع عنه الجزاء
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»