الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٤٥٢
حال على حسب الحاجة إليه حتى أكمل الله دينه وقبض رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل القرآن جملة واحدة ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم كان ينزل به جبريل نجما بعد نجم وحينا بعد حين وقال عكرمة وجماعة في قوله تعالى " فلا أقسم بموقع النجوم " [الواقعة 75] قالوا القرآن نزل جملة واحدة فوضع بمواقع النجوم فجعل جبريل ينزل بالآية والآيتين وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وقال الله عز وجل " إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدرك ما ليلة القدر " [القدر 1 2] يعني القرآن قال بن عباس وغيره إلى سماء الدنيا وقال عز وجل " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة وحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلنه ترتيلا " [الفرقان 32] وفيه أن الصلاة كانت إلى غير الكعبة ولا خلاف بين علماء الأمة أنها كانت إلى بيت المقدس وكذلك في الآثار عن علماء السلف أشهر وأعرف من أن يحتاج إلى إيراده هنا قال الله عز وجل " سيقول السفهاء من الناس ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " [البقرة 142] واختلفوا في السفهاء هنا فقيل المنافقون وقيل اليهود وقال الله عز وجل " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها " [البقرة 144] وفي ذلك دليل على أن في أحكام الله تعالى ناسخا ومنسوخا وهو ما لا اختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على من خالفهم وقد أوردنا من الآثار في التمهيد ما فيه كفاية في معنى هذه الآية وقد أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة وأجمعوا على أن ذلك كان بالمدينة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس وأمر بالصلاة إلى الكعبة بالمدينة واختلفوا في صلاته بمكة قبل الهجرة حين فرضت الصلاة عليه فقالت طائفة كانت صلاته إلى بيت المقدس من حين فرضت الصلاة عليه بمكة
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»