الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٧٦
وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم نبيه - عليه السلام - أنه قال لابنه * (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) * [الصافات 102] ونومه عليه السلام في سفره من باب قوله ((إني لأنسى أو أنسى لأسن)) فخرق نومه ذلك عادته عليه السلام ليسن لأمته ألا ترى إلى قوله في حديث العلاء بن خباب ((لو شاء الله لأيقظنا ولكنه أراد أن تكون سنة لمن بعدكم)) وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن أبي سلمة عن مسروق عن بن عباس قال ((ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها بصلاة النبي - عليه السلام - الصبح بعد طلوع الشمس)) وكان مسروق يقول ذلك أيضا قرأت على عبد الوارث أن قاسما حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا بن الأصبهاني قال حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم عن أبي سلمة عن مسروق عن بن عباس قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فعرسوا من الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس قال فأمر فأذن ثم صلى ركعتين)) قال بن عباس ((فما يسرني بهما الدنيا وما فيها)) يعني الرخصة قال أبو عمر وذلك عندي - والله أعلم - لأنه كان سببا إلى أن علم أصحابه المبلغون عنه إلى سائر أمته أن مراد الله من عباده الصلاة وإن كانت مؤقتة أن من لم يصلها في وقتها فإنه يقضيها أبدا متى ما ذكرها ناسيا كان لها أو نائما عنها أو متعمدا لتركها ألا ترى أن حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) والنسيان في لسان العرب يكون الترك عمدا ويكون ضد الذكر قال الله - تعالى - * (نسوا الله فنسيهم) * [التوبة 67] أي تركوا طاعة الله تعالى والإيمان بما جاء به رسوله فتركهم الله من رحمته وهذا مما لا خلاف فيه ولا يجهله من له أقل علم بتأويل القرآن فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث ((من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط المأثم عنهما بالنوم والنسيان
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»