في هذه الحقبة من الزمن (أعني عهدي الصفاريين والسامانيين) عاش ابن حبان، فقد ولد في عشر الثمانين ومئتين للهجرة، ولم يذكر أحد سنة ولادته تحديدا، لكنهم اتفقوا على أنه توفي سنة 354 ه في عشر الثمانين.
سيرته العلمية ليس لدينا في المصادر المتيسرة لنا نص يكشف عن أول أمره، وكيفية توجهه إلى طلب العلم، وهل كان ذلك باعتناء والده، أو أحد أقاربه، أو أحد أصحاب أسرته، أم لا، بيد أن قول الإمام الذهبي: " طلب العلم على رأس الثلاث مئة " (1)، يشير إلى أنه طلب بنفسه، وأن عمره آنذاك ينيف على العشرين عاما، فلئن تأخر قليلا في الطلب، إلا أنه قد شمر عن ساق الجد ما أطاق، عدته في ذلك همة عالية قربت إليه المسافات البعيدة، وأدنت إليه البلاد النائية، فرحل إلى شيوخ وقته في بلادهم، وقصد أجلة علماء زمانه في مدنهم وقراهم، ليدرك الأسانيد العالية، فتطلب ذلك أن يرحل إلى أكثر من أربعين بلدا من بلدان العالم الإسلامي، في رقعة واسعة مترامية الأطراف، وشملت رحلته سجستان وهراة ومرو وسنج والصغد والشاش (طشقند) وبخاري ونسا ونيسابور وأرغان وجرجان وطهران والكرج وعسكر مكرم والأهواز والبصرة وبغداد والكوفة والموصل ونصيبين والرقة وأنطاكية وطرسوس وحمص ودمشق وبيروت وصيدا والرملة وبيت المقدس ومصر وغيرها، وبلغ مجموع شيوخه في هذه الرحلة أكثر من ألفي شيخ، كما صرح هو في مقدمته لهذا الكتاب، فقال: " لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من الشاش إلى الإسكندرية "، ويريد ابن حبان من قوله هذا أن يبين لنا أنه رحل إلى أقصى ما تمكن الرحلة إليه لطلب العلم في عصره، فالشاش في جهة المشرق هي أقصى بلاد الإسلام آنذاك، وبعدها تبدأ بلاد