كتاب العمر والشيب - ابن أبي الدنيا - الصفحة ٢٢
بيئته التي نشأ فيها:
كانت أسرة ابن أبي الدنيا أسرة خير وفضل، وبيته بيت علم وصلاح.
فأبوه من العلماء المهتمين بالحديث وروايته، مما ساهم في نشأته العلمية، وتكوينه في وقت مبكر.
فحببته أسرته في العلم والعلماء، ودفعت به إلى حلق العلم، فأقرأته القرآن، والفقه، وحببته في سماع الحديث وكتابته، وبحكم أن والده كان أحد العلماء فقد مكنه ذلك من السماع من أعلام العصر وحفاظه وسنه دون البلوغ، ومن هؤلاء الحفاظ سعيد بن سليمان الواسطي - سعدويه - (ت 229 ه)، وأبو عبيد القاسم بن سلام وطبقتهم إسنادا عاليا، وشارك أصحاب الكتب الستة في كثير من شيوخهم. وقد دلت بعض الروايات على أنه استقل وأخذ يطوف على المشايخ بنفسه، وسنه دون العاشرة (1).
وبهذه العناية المركزة والمبكرة من أسرة ابن أبي الدنيا، وبما كان له من الهمة والإقبال الكبير استطاع أن يجمع علما غزيرا ويتتلمذ على مئات المشايخ من أئمة العصر وحفاظه. قال الذهبي: " وقد جمع شيخنا أبو الحجاج الحافظ أسماء شيوخه على المعجم، وهم خلق كثير " (2)، ثم ذكر الذهبي جزءا منهم فبلغ عددهم أربعة وتسعين شيخا، وبلغ عدد شيوخه في " كتاب الصمت " وحده أكثر من مائتي شيخ.
وبهذا تكونت شخصية ابن أبي الدنيا العلمية، فهو حنبلي المذهب، سلفي العقيدة، زهدي المشرب، وعمل على بث هذه الروح الأخلاقية الإيمانية، ورصد

(١) الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد: ١٠ / ٩٠، ابن حجر - تهذيب التهذيب: ٦ / 13، وانظر ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148. وهي رواية إبراهيم الحربي في السماع من عفان بن مسلم الصفار والمعروف عن عفان أنه اختلط في 219 ه - أي قبل وفاته بعام أو أقل - وقد تركوا السماع منه بعد اختلاطه، وسيأتي الكلام عليها في منزلته العلمية.
(2) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 397.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»