عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٢٦٤
قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبرق أكاليل وجهه، جمع إكليل وهي ناحية الجبهة وما يتصل بها من الجبين، وذلك إنما يوضع الإكليل هناك وكل ما أحاط بالشيء وتكاله من جوانبه فهو إكليل قاله الخطابي. قوله: (ألم تري) ويروى: ألم ترين، بالنون في آخره والمراد بالرؤية هنا الإخبار أو العلم. قوله: (أن مجززا) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي المكسورة ويحكى فتحها وفي آخره زاي أخرى، وسمي بذلك لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جزنا صيته وأطلقه وهو ابن الأعور ابن جعدة المدلجي نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة. وقال الذهبي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر، وقال: لا أعلم له رواية. وقال ابن ماكولا: إن مجززا له صحبة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الطبري، وقال الكلبي: بعثه عمر بن الخطاب في جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم، وقال ابن ماكولا أيضا، بعد أن ضبط مجززا كما ذكرناه. قال ابن عيينة: محرز، يعني: بسكون الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي. فإن قلت: هل كانت القيافة مخصوصة ببني مدلج أم لا؟.
قلت: كانت القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك، والصحيح أنها ليست خاصة بهم قد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله تعالى عنه، كان قائفا أورده في قصته وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة. قوله: (نظر آنفا) بالمد ويجوز بالقصر أي: الساعة، من قولك: استأنفت أي: ابتدأت ومنه قوله تعالى: * (ماذا قال آنفا) * (محمد: 61) أي: في وقت يقرب منا. قوله: (إلى زيد بن حارثة) الخ ذكر في الرواية التي بعدها: دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. وفي رواية الكشميهني: بعضهما لمن بعض.
فيه: إثبات الحكم بالقافة، وممن قال به أنس بن مالك وهو أصح الروايتين عن عمر رضي الله تعالى عنه، وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور، وقال الكوفيون والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: الحكم بها باطل لأنها حدس، ولا يجوز ذلك في الشريعة وليس في حديث لباب حجة في إثبات الحكم بها لأن أسامة قد كان ثبت نسبة قبل ذلك ولم يحتج الشارع في إثبات ذلك إلى قول أحد، وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه، ولا يجب الحكم بذلك. وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإنكار عليه لأنه لم يتعاط بذلك إثبات ما لم يكن ثابتا وقد قال تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الإسراء: 63).
1776 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور، فقال: (يا عائشة! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هاذه الأقدام بعضها من بعض).
هذا هو الحديث المذكور غير أنه أخرجه عن قتيبة من طريقين: أحدهما: عن قتيبة عن الليث... الخ. والآخر: عن قتيبة أيضا عن سفيان بن عيينة... الخ. وفيه زيادة تفسير ما ذكر في الحديث السابق من اختصاره على ذكر الأقدام. والقطيفة كساء، وفي (المغرب): دثار مخمل، والجمع: قطائف وقطف.
بسم الله الرحمن الرحيم 68 ((كتاب الحدود)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام الحدود، وهو جمع حد وهو المنع لغة ولهذا يقال للبواب حدادا لمنعه الناس عن الدخول، وفي الشرع: الحد عقوبة مقدرة لله تعالى وإنما جمعه لاشتماله على أنواع وهي: حد الزنا وحد القذف وحد الشرب، والمذكور فيه حد الزنا والخمر والسرقة، وقد تطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تقربوها) * (البقرة: 781) وعلى فعل فيه شيء مقدر، ومنه * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * (الطلاق: 1) والبسملة ثابتة قبل. قوله: كتاب الحدود في غير رواية أبي ذر
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»