عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٢١٦
والكفارات جمع كفارة على وزن فعالة بالتشديد من الكفر وهو التغطية، ومنه قيل للزراع: كافر، لأنه يغطي البذر، وكذلك الكفارة لأنها تكفر الذنب أي: تستره، ومنه تكفر الرجل بالسلاح إذا تستر به، وفي الاصطلاح: الكفارة ما يكفر به من صدقة ونحوها.
1 ((باب وقول الله تعالى * ((5) فكفارته إطعام عشرة مساكين) * (المائدة: 98)) وقول الله بالجر عطف على كفارات الأيمان، وأوله: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين) * (المائدة: 98) الآية أي: فكفارة ما عقدتم الأيمان إطعام عشر مساكين.
واختلفوا في مقدار الإطعام فقالت طائفة: يجزيه لكل إنسان مد من طعام بمد الشارع، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمرو زيد بن ثابت وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، وهو قول عطاء والقاسم وسالم والفقهاء السبعة، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: يطعم لكل مسكين نصف صاع من حنطة، وإن أعطى تمرا أو شعيرا فصاعا صاعا، روي هذا عن عمر ابن الخطاب وعلي وزيد بن ثابت في رواية رضي الله تعالى عنهم، وهو قول النخعي والشعبي والثوري وأبي حنيفة وسائر الكوفيين.
وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (البقرة: 691) كلمة: ما، موصولة أي: والذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله عز وجل: * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * يشير بها إلى حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، الذي يأتي في هذا الباب، وإنما ذكر البخاري حديث كعب بن عجرة في هذا الباب من أجل التخيير في كفارة الأذى كما هي في كفارة اليمين بالله، وما كان في القرآن كلمة: أو، نحو قوله تعالى: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) * (المائدة: 98) فصاحبه بالخيار، يعني: هو الواجب المخير على ما يأتي الآن، ويقال معنى قوله: وما أمر الله، الكفارة المخيرة.
ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة: ما كان في القرآن: أو أو، فصاحبه بالخيار، وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية.
إنما ذكر هذا عن ابن عباس بصيغة التمريض لأنه رواه سفيان الثوري في (تفسيره): عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن: أو أو نحو قوله تعالى: * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (البقرة: 691) فهو فيه مخير، وما كان * (فمن لم يجد) * (البقرة: 691) فهو على الولاء أي الترتيب، وأما أثر عطاء بن أبي رباح فوصله الطبري من طريق ابن جريج قال: قال عطاء: ما كان في القرآن: أو أو فلصاحبه أن يختار أيها شاء، وأما أثر عكرمة فوصله الطبري أيضا من طريق داود بن أبي هند عنه قال: كل شيء في القرآن: أو أو، فليتخير فإذا كان * (فمن لم يجد) * فالأول فالأول. قوله: (كعبا) أي: كعب بن عجرة، على ما يأتي الآن.
8076 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن ابن عون عن مجاهد عن عبد الرحمان ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: أتيته يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادن) فدنوت فقال: (أيؤذيك هوامك) قلت: نعم. قال: * ((2) فدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (البقرة: 691).
وأخبرني ابن عون عن أيوب قال: صيام ثلاثة أيام، والنسك شاة، والمساكين ستة.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه التخيير كما في كفارة الأيمان.
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده، وأبو شهاب هو الأصغر واسمه عبد ربه بن نافع الخياط صاحب المدائني، وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري.
والحديث مضى في الحج بشرحه.
قوله: (أتيته) وفي رواية أبي نعيم: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (هوامك) جمع هامة
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»