عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٢٠١
فقال سهل للقوم: هل تدرون ما سقته؟ قال: أنقعت له تمرا في تور من الليل حتى أصبح عليه فسقته إياه.
قال الكرماني مناسبة الحديث للباب مفهوم نبيذ، إذ المتبادر إلى الذهن منه أن العروس المذكورة فيه سقت المتخذ من التمر، ففيه الرد على بعض الناس. وقال صاحب (التوضيح): وجه تعلق البخاري من حديث سهل في الرد على أبي حنيفة وهو أن سهلا إنما عرف أصحابه أنه لم تسق الشارع إلا نبيذا قريب العهد بالانتباذ مما يخل شربه، ألا ترى قوله: (انقعت له تمرا في تور من الليل حتى أصبح عليه فسقته إياه؟) وهكذا كان ينبذ له صلى الله عليه وسلم، ليلا ويشربه غدوة، وينبذ له غدوة ويشربه عشية انتهى.
قلت: ليس في حديث سهل رد قط على أبي حنيفة لأنه لم ينف اسم النبيذ عن المتخذ من التمر، وإنما قال: الطلاء والسكر والعصير ليست بأنبذة على تقدير صحة النقل عنه بذلك، لأن كلا منها يسمى باسم خاص، كما ذكرناه الآن.
وعلي شيخ البخاري فيه هو ابن المديني، وعبد العزيز فيه يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج، وهو يروي عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، كان اسمه حزنا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم، سهلا، وأبو أسيد، بضم الهمزة مصغر الأسد: مالك الساعدي.
والحديث قد مضى في كتاب الأشربة في: باب الانتباذ في الأوعية. قوله: (صاحب النبي صلى الله عليه وسلم)، ذكر لفظ: صاحب، إما استلذاذا وإما افتخارا وإما تعظيما له، وإما تفهيما لمن لا يعرفه. قوله: (فكانت العروس)، على وزن: فعول يستوي فيه الذكر والأنثى والمراد به هنا الزوجة. قوله: (خادمهم)، بالتذكير لأنه يطلق على الرجل والمرأة كليهما. قوله: (في تور)، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالراء هو إناء من صفر أو حجر كالأجانة وقد يتوضأ منه. قوله: (فسقته إياه)، أي: فسقت العروس المذكورة النبي صلى الله عليه وسلم إياه، أي: التمر المنقوع في التور.
6866 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صارت شنا.
قيل: مطابقته للترجمة في قوله: (ما زلنا ننبذ فيه) وأنهم دبغوا مسك الشاة للانتباذ فيه. قال صاحب (التوضيح): هذا وجه استدلال البخاري من حديث سودة.
قلت: لا مطابقة بينه وبين الترجمة، إلا أن يؤخذ ذلك بالوجه المذكور بالتعسف وليس المراد ذلك لأن في زعم هؤلاء أن هذا يرد على أبي حنيفة فيما نقلوا عنه، فلذلك أورده البخاري هنا، وليس كذلك كما ذكرناه الآن.
ومحمد بن مقاتل المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن إسماعيل بن أبي خالد واسمه سعد، ويقال: هرمز البجلي عن عامر الشعبي عن عكرمة عن عبد الله بن عباس عن سودة بنت زمعة رضي الله عنها. والحديث من أفراده.
قوله: (مسكها) بفتح الميم وهو الجلد. قوله: (شنا) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهو القربة الخلق.
22 ((باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون من الأدم)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا حلف أن لا يأكل أدما فأكل تمرا بخبز أي: ملتبسا به مقارنا له. وجواب: إذا محذوف تقديره: هل يكون بذلك مؤتدما أم لا. قوله: (ما يكون من الأدم) عطف على جملة الشرط والجزاء أي: باب يذكر فيه أيضا ما يكون أي: شيء يكون من الأدم، ولم يذكر حكم هذين المذكورين اعتمادا على مستنبط الأحكام من النصوص أما الفصل الأول: فقد روى فيه عن حفص بن غياث عن محمد بن يحيى الأسلمي عن يزيد الأعور عن ابن أبي أمية عن يوسف عن عبد الله بن سلام قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرا، وقال: هذه إدام هذه فأكلها، وبهذا يحتج أن كل ما يوجد في
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»