عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ١٠٧
والأسد ينتابها في الربيع فيأكلها أكلا شديدا والحيات تأتي مناقع المياه لطلبها، ويقال له: نيق وتهدر. ولم يبين الشعبي هل تذكى الضفادع أم لا.
واختلف مذهب مالك في ذلك. فقال ابن القاسم في (المدونة) عن مالك: أكل الضفدع والسرطان والسلحفاة جائز من غير ذكاة، وروى عن ابن القاسم: ما كان مأواه الماء يؤكل من غير ذكاة وإن كان يرعى في البر، وما كان مأواه ومستقره البر لا يؤكل إلا بذكاة وعن محمد بن إبراهيم: لا يؤكلان إلا بذكاة. قال ابن التين: وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
ثم اعلم أن قول الشعبي يرده ما رواه أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي في (كتاب الأطعمة) بسند صحيح أن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ضفدع يجعله في دواء فنهى صلى الله عليه وسلم، عن قتله، قال أبو سعيد فيكره أكله إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتله لأنه لا يمكن أكله إلا مقتولا. وإن أكل غير مقتول فهو ميتة وزعم ابن حزم أن أكله لا يحل أصلا ووى أبو داود في الطب وفي الأدب، والنسائي في الصيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي: أن طبيبا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الضفدع يجعلها في دواء فنهى عن قتلها. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في (مسانيدهم) والحاكم في (المستدرك) في الطب، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال البيهقي: وأقوى ما ورد في الضفدع هذا الحديث وقال الحافظ المنذري فيه دليل على تحريم أكل الضفدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن قتله، والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمته كالآدمي، وإما لتحريم أكله كالصرد، والهدهد، والضفدع ليس بمحرم فكان النهي منصرفا إلى الوجه الآخر.
ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا أي: الحسن البصري، ووصله ابن أبي شيبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن. قال: لا بأس بأكلها، وروى من حديث يزيد بن أبي زياد عن جعفر: أنه أتى بسلحفاة فأكلها ومن حديث حجاج عن عطاء. لا بأس بأكلها يعني: السلحفاة. وزعم ابن حزم أن أكلها لا يحل إلا بذكاة، وأكلها حلال بريها وبحريها. وأكل بيضها وروي عن عطاء إباحة أكلها، وعن طاووس ومحمد بن علي وفقهاء المدينة إباحة أكلها، وعندنا يكره أكل ما سوى السمك من دواب البحر، كالسرطان والسلحفاة والضفدع وخنزير الماء، واحتجوا بقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) وما سوى السمك خبيث، وقال مقاتل: إن السلحفاة من المسوخ، وفي (الصحاح) إنها بفتح اللام وحكي إسكانها وحكي سقوط الهاء، وحكي الرواسي: سلحفية. مثل: بلهنية، وهما مما يلحق بالخماسي بألف وفي (المحكم) السلحفات والسلحفاه من دواب الماء.
* (وقال ابن عباس: كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) * قال الكرماني: كذا وقع في النسخ القديمة، وفي بعض النسخ: كل من صيد البحر وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي. قلت: المعنى لا يصح إلا على هذا، ولا بد من هذا التقدير على قول النسخ القديمة ويروى كل من صيد البحر ما صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي وروى البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. قال: كل ما القى البحر وما صيد منه صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي، قال ابن التين: مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم.
* (وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس) * أبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي، والمري، بضم الميم وسكون الراء وتخفيف الياء، وكذا ضبطه النووي، وقال: ليس عربيا وهو يشبه الذي يسميه الناس: الكامخ، بإعجام الخاء. وقال الجواليقي: التحريك لحن، وقال الجوهري: بكسر الراء وتشديدها وتشديد الياء كأنه منسوب إلى المرارة، والعامة يخففونه، وقال الحربي: هو مري يعمل بالشام يؤخذ الخمر فيحمل فيها الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير طعمه إلى طعم المري، يقول: كما أن الميتة والخمر حرامان والتنذكية تحل الميتة بالذبح، فكذلك الملح. قوله: والنينان: بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وتخفيف النون الثانية وهو جمع، نون وهو الحوت، ثم تفسير كلام أبي الدرداء بقوله: (في المري) مقدم لفظا، ولكن في المعنى متأخر تقديره: ذبح الخمر النينان
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»