عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ١٤
بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير إن لك على كرامة وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك.
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن جريرا لما هد ذا الخلصة بعد شهوده حجة الوداع ذهب إلى اليمن ثم لما رجع، بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد الله هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان الحافظ العبسي، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وهو شيخ مسلم أيضا، يروي عن عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم.
قوله: (ذا كلاع)، بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه: إسميفع، بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء وفي آخره عين مهملة، ويقال: إيفع بن باكوراء، ويقال: ابن حوشب بن عمر، وقال أبو عمرو: وأظنه من حمير، ويقال: إنه أب عمر كعب الأحبار يكنى أبا شرحبيل، ويقال: أبو شرحبيل كان ريئسا في قومه مطاعا متبوعا اسلم وكتب إليه صلى الله عليه وسلم في التعاون على الأسود ومسيلمة وطليحة وكان الرسول إليه جرير بن عبد الله البجلي فأسلم وخرج مع جرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذو الكلام القائم بأمر معاوية في حرب صفين وقتل قبل انقضاء الحرب، ففرح معاوية بموته، وكان موته في سنة سبع وثلاثين. قال أبو عمرو. ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه واتباعه النبي صلى الله عليه وسلم، في حياته، وأظنه أحد الوفود عليه، والله أعلم، ولا أعلم له رواية إلا عن عمرو وعوف بن مالك، وقال أبو عمرو: وإنه أعتق عشرة آلاف أهل بيت. وقال ابن دريد: كان ذو الكلاع ادعى الربوبية في الجاهلية وأن إسلامه إنما كان أيام عمر رضي الله تعالى عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له مع جرير وجرير إنما قدم بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (وذا عمرو)، كان أحد ملوك اليمن، وقال أبو عمر: ذو عمر رجل من اليمن أقبل مع ذي الكلاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمين ومعهما جرير بن عبد الله البجلي، ويقال: كانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه. قوله: (أحدثهم)، إنما جمع الضمير باعتبار من كان معهما. قوله: (من أمر صاحبك) أراد بالصاحب النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (لقد مر على أجله منذ ثلاث) أراد إنه مات منذ ثلاثة أيام، قال الكرماني: فإن قلت: أين جزاء الشرط؟ قلت: جواب القسم جزاءا للشرط معنى. فإن قلت: الشرط شرطه أن يكون سببا للجزاء، وههنا ليس كذلك؟ قلت: هو متأول بالإخبار، إن تخبرني بذلك أخبرك بهذا، فالإخبار سبب للإخبار، وقال أيضا: إنما علم وفاته صلى الله عليه وسلم، إما بسماعه من بعض القادمين من المدينة سرا، وإما أنه كان من المحدثين، وإما أنه كان في الجاهلية كاهنا، إنما أخبر بذلك عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم. قوله: (وأقبلا معي)، من كلام جرير، أي: أقبل ذو الكلاع وذو عمرو، يعني: متوجهين إلى المدينة. قوله: (فقالا) أي: ذو الكلاع وذو عمرو (أخبر صاحبك) أراد به: أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بحديثهم)، قد ذكرنا أن جمعه باعتبار اتباعهم أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان. قوله: (فلما كان بعد)، بضم الدال على البناء أي: بعد هذا الأمر. ولعله كان ذلك بعد أن هاجر ذو عمرو في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له: أن ذا الكلاع كا معه اثني عشر ألف بيت من مواليه، فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين، فقال ذو الكلاع: هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة. قوله: (كرامة) منصوب، قوله: (تآمرتم)، بمد الهمزة وتخفيف الميم، أي: تشاورتم، والائتمار المشاورة ويروى: (تأمرتم)، بالقصر وبتشديد الميم أي: أقمتم أميرا منكم عن رضى منكم أو عهد من الأول. قوله: (فإذا كانت)، أي: الإمارة: (بالسيف) أي: بالقهر والغلبة (كانوا ملوكا) أي: خلفاء، وهذا الكلام منه يدل على أن ذا عمر وله اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة، لأنه يطابق حديث سفينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا)، رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»