عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٨٥
هكذا خاطب عامل كسرى الذي هو عينه على جيشه بصيغة من لا يعقل احتقارا له. قوله: (قال: ناس من العرب) أي: قال المغيرة: نحن ناس من العرب... إلى آخر ما ذكره، وفي رواية ابن أبي شيبة، فقال: إنكم معشر العرب، أصابكم جوع وجهد فجئتم، فإن شئتم مرناكم، بكسر الميم وسكون الراء أي: أعطيناكم الميرة، أي الزاد ورجعتم، وفي رواية الطبري: إنكم معشر العرب أطول الناس جوعا وأبعد الناس من كل خير، وما منعني أن أمر هؤلاء الأساورة أن ينتظموكم بالنشاب إلا تقذرا لجيفكم. قال المغيرة: فحمدت لله وأثنيت عليه، ثم قلت: ما أخطأت شيئا من صفتنا، كذلك كنا حتى بعث الله إلينا رسوله. قوله: (نعرف أباه وأمه)، وزاد في رواية ابن أبي شيبة: في شرف منا أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثا. قوله: (فقال النعمان) يعني للمغيرة: ربما أشهدك الله أي أحضرك الله مثلها، أي: مثل هذه الشدة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم قوله: (فلم يندمك) بضم الياء من الإندام، يقال: أندمه الله فندم، والمعنى: لم يندمك فيما لقيت معه من الشدة. قوله: (ولم يخزك) من الإخزاء، يقال: خزي، بالكسر: إذا ذل وهان، ويروى: فلم يحزنك، بالحاء المهملة والنون، وهي رواية الأكثرين، والأولى رواية المستملي، وهي أوجه لوفاق ما قبله، كما في حديث وفد عبد القيس: غير خزايا ولا ندامى، وهذه المحاورة التي وقعت بين النعمان بن مقرن والمغيرة بن شعبة بسبب تأخير النعمان القتال، فاعتذر النعمان بقوله: (ولكني شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره، وقال الكرماني ما معنى الاستدراك؟ وأين توسطه بين كلامين متغايرين؟ قلت: كان المغيرة قصد الاشتغال بالقتال أول النهار بعد الفراغ من المكالمة مع الترجمان فقال النعمان: إنك شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم لكنك ما ضبطت انتظاره للهبوب، وقال ابن بطال: قوله: (ولكني شهدت...) إلى آخره كلام مستأنف وابتداء قصة أخرى. قلت: الذي قاله الكرماني هو الذي يقتضيه سياق الكلام، وسياقه على ما لا يخفى على المتأمل، وفي رواية الطبري: قد كان الله أشهدك أمثالها، والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: كان إذا لم يقاتل أول النهار إلى آخره. قوله: (حتى تهب الأرواح) جمع ريح، وأصله: روح، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، والتصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها. وقد حكى ابن جني جمع ريح على: أرياح. قوله: (وتحضر الصلوات) يعني: بعد زوال الشمس، تدل عليه رواية ابن أبي شيبة: وتزول الشمس، وزاد في رواية الطبري: ويطيب القتال، وفي رواية ابن أبي شيبة: وينزل النصر.
وفي الحديث من الفوائد منقبة النعمان ومعرفة المغيرة بن شعبة بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته واشتمال كلامه على بيان أحوالهم الدينية والدنياوية، وعلى بيان معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره عن المغيبات ووقوعها كما أخبر. وفيه: فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من هو دونه، وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل، لأن الزبير ابن العوام، رضي الله تعالى عنه، كان في جيش عليه النعمان بن مقرن، والزبير أفضل منه اتفاقا وفيه: ضرب المثل. وفيه: جودة تصور الهرمزان، وكذلك استشارة عمر، رضي الله تعالى عنه. وفيه: الإرسال إلى الإمام بالبشارة. وفيه: فضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله.
2 ((باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا وادع الإمام، من الموادعة، وهي: المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى، وحقيقة الموادعة المتاركة أي: يدع كل واحد منهما ما هو فيه. قوله: (هل يكون ذلك؟) جواب: إذا، أي: هل يكون ما ذكر من الموادعة التي يدل عليه قوله: وادع. قوله: (لبقيتهم) أي: لبقية أهل القرية، وجواب الاستفهام محذوف تقديره: يكون.
1613 حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباس الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكت له ببحرهم..
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»