عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٣٠٧
الخصومات في: باب ما يذكر في الأشخاص، ومضى الكلام فيه مستوفى.
9043 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى مرتين..
مطابقته للجزء الأخير للترجمة، وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المديني، وهو من أفراده وإبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني، كان على قضاء بغداد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن بكير. وأخرجه مسلم أيضا في القدر عن زهير بن حرب ومحمد بن حاتم.
قوله: (احتج موسى وآدم) أي: تحاجا. إما أن تكون أرواحهما تحاجت، أو يكون ذلك يوم القيامة، والأول أظهر. وقال القاضي عياض: ويحتمل أن يحمل على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما. وقد ثبت في حديث الإسراء أنه، صلى الله عليه وسلم، اجتمع بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم، ولا يبعد أن الله أحياهم كما أحيا الشهداء، ويحتمل أن يكون جرى ذلك في حياة موسى، سأل الله تعالى أن يريه آدم، عليه الصلاة والسلام، فيحاجه. قوله: (خطيئتك) أي: الأكل من الشجرة المنهي عنها بقوله: * (لا تقربا هذه الشجرة) * (البقرة: 53، الأعراف: 91). وجاز في مثله: أخرجتك وأخرجته بالخطاب والغيبة نحو.
* أنا الذي سمتني أمي حيدره.
* أي: سمته قوله: (الذي اصطفاك الله)، أي: جعلك خالصا صافيا عن شائبة ما لا يليق بك. وفيه تلميح إلى قوله تعالى: * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 461). قوله: (ثم تلومني) كلمة: ثم، بالثاء المثلثة والميم المشددة في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي والمستملي: بم، بكسر الباء الموحدة وفتح الميم المخففة. قوله: (فحج آدم) بالرفع باتفاق الرواة أي: غلبه بالحجة وظهر عليه بها، وقال الطيبي: أي غلب بالحجة، بأن ألزمه أن جملة ما صدر عنه لم يكن هو مستقلا بها متمكنا من تركها، بل كان أمرا مقضيا. قوله: (مرتين)، متعلق بقوله: قال، وقال الخطابي: إنما حجه آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا به، وأما الحكم الذي تنازعاه فإنما هما في ذلك سواء إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الذي هو السبب، ومن فعل واحدا منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين، مذهب القدر أو الجبر، وفي قول آدم استقصار لعلم موسى أي: إذا جعلك الله بالصفة التي أنت عليها من الاصطفاء بالرسالة والكلام، فكيف يسعك أن تلومني على القدر الذي لا مدفع له؟ وحقيقته أنه دفع حجة موسى التي ألزمه بها اللوم وذلك أن الاعتراض والابتداء كان من موسى، وعارضه بأمر دفع به اللوم، فكان هو الغالب، وقال النووي: معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني، وأيضا اللوم شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله عليه وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله تعالى لم تسقط عنه الملامة قلنا هو باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين، وفي لومه زجر له ولغيره، وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في هذا القول فائدة سوى التخجيل ونحوه، وقال التوربشتي: ليس من معنى قول آدم، عليه الصلاة والسلام، كتب الله علي، ألزمه إياه وأوجبه علي، فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار، وإنما المعنى أثبته في أم الكتاب قبل كوني، وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق، فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله، فكيف تغفل عن العلم السابق؟ وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار؟
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 » »»