للمؤمنين لعدم القول بالوجوب على الظاهر لأنه ما كان واجبا عليه أيضا ويحتمل الوجوب، وكذا البحث عن الاستغفار والمشاورة، ولهذا عفى يعقوب ويوسف على نبينا وآله وعليهما السلام عن إخوته واستغفروا لهم، وكأنه يريد بنهيهم عن الفظاظة التحريم، فإنه على من لا يستحقه حرام لحصول الأذى المحرم، وعدم حصول الغرض المطلوب إذا كان معلما أو آمرا أو ناهيا، وبدعائهم إلى التوكل: الوجوب بالمعنى المتقدم أو الاستحباب بالنسبة إلى بعض الأفراد فتأمل، فإن من تأمل هذه الآية مع ما تقدم من آية كظم الغيظ، يفهم أن حسن الخلق والمداراة مع خلق الله خصوصا عن الرؤساء والعمداء، الذين يريدون إرشاد الناس في مرتبة عظيمة، لا يصل إليها إلا من وفقه الله.
وأشار في مجمع البيان إلى المعنى الأول في تفسير الآية التي بعد هذه وهي " إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون " لما أمر الله سبحانه نبيه عليه وآله السلام بالتوكل، بين معنى وجوب التوكل عليه فقال " إن ينصركم الله " على من ناواكم فلا يقدر على غلبتكم، وإن كثر من ناواكم، وقل عددكم " وإن يخذلكم " أي يمنعكم معونته ويخلي بينكم وبين أعدائكم لمعصيتكم إياه فلا يقدر أحد على نصركم، والهاء عائدة إلى اسم الله على الظاهر والمعنى على حذف المضاف أي من بعد خذلان الله والظاهر أنه لا يحتاج إلى حذفه، كما قال في الكشاف " من بعده " أي من بعد خذلانه أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان، تريد إذا جاوزته ويحتمل أن يكون المراد بالتوكل على الله الاتكال عليه، وتفويض الأمر إليه بمعنى ترك العمل والاستعانة بغيره في الأمور، ولكن لا كله بل بعد فعل ما ورد الشرع به مثل الهرب من العدو مهما أمكن إذا ظن أو علم هلاكه أو ضرره، ثم الاتكال عليه في الباقي بمعنى عدم استعمال شئ فإذا خاف عدوا لا ينقطع إلى غير الله ولا يسأل أحدا شيئا من الرزق إذا لم يجب، ولا يتضرع للأغنياء والسلاطين طمعا من دفع الضرر الموهوم، والنفع الغير الواجب، ولكن وجوبه شرعا بهذا المعنى