عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٦١
عن الذراري، وفي بعضها: سئل عن ذراري المشركين، ونقل القاضي هذه عن رواية جمهور رواة (صحيح مسلم) قال: وهي الصواب، فأما الرواية الأولى فقال: ليست بشيء، بل هي تصحيف. قال: وما بعده يبين غلطه. وقال النووي: وليست باطلة كما ادعى القاضي، بل لها وجه، وتقديره: سئل عن حكم صبيان المشركين الذين يبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل، فقال: هم من آبائهم، أي: لا بأس بذلك، لأن أحكاما البلد جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك، والمراد إذا لم يتعمد من غير ضرورة. قوله: (يبيتون)، على صيغة المجهول، وقعت حالا عن أهل الدار من التبييت، وهو أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف رجل من امرأة. قوله: (من المشركين)، بيان الدار. قوله: (فيصاب من نسائهم وذراريهم)، وفي رواية مسلم: إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، كما مر، وقال النووي: والمراد بالذراري هنا النساء والصبيان. قلت: كيف يراد من الذراري النساء، وهذا كما رأيت في رواية البخاري عطف الذراري على النساء؟ قوله: (هم منهم) أي: النساء والذراري من أهل الدار من المشركين.
فإن قلت: هذا يخالف ما ذكره البخاري فيما بعد عن ابن عمر: نهى عن قتل النساء والصبيان، وما رواه مسلم عن بريدة: اغزوا فلا تقتلوا وليدا، وسيروا ولا تمثلوا. وما رواه الترمذي عن سمرة: اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم. وقال: حسن صحيح غريب، وما رواه النسائي عن ابن عباس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم فلا يقتلهم بقوله لنجدة الحروري، وما رواه أبو داود والنسائي من حديث رياح بكسر الراء وبالياء آخر الحروف: ابن الربيع، وفيه: فقال الخالد، رضي الله تعالى عنه، لا تقتلن امرأة ولا عسيفا. وما رواه أحمد من حديث الأسود بن سريع، وفيه ألا لا تقتلوا ذرية ألا لا تقتلوا ذرية، وما رواه أحمد أيضا من حديث ابن عباس، وفيه: ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع، وما رواه الطبراني في (الأوسط) من حديث أبي سعيد الخدري، قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، وقال: هما لمن غلب. وما رواه أيضا من حديث أبي ثعلبة الخشني، قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان. وما رواه أبو داود من حديث أنس وفيه: لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، وما رواه أبو يعلى الموصلي من حديث جرير بن عبد الله، وفيه: ولا تقتلوا الولدان. وما رواه البزار في (مسنده) من حديث ابن عمر، وفيه: لا تقتلوا وليدا. وما رواه أيضا من حديث عوف ابن مالك، وفيه: لا تقتلوا النساء. وما رواه أحمد في (مسنده) من حديث ثوبان مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل صغيرا أو كبيرا أو أحرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة أو ذبح شاة لأهلها لم يرجع كفافا. وما رواه الطبراني من حديث كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان.
قلت: قال الخطابي: قوله: (هم منهم) يريد في حكم الدين، فإن ولد الكافر محكوم له بالكفر، ولم يرد بهذا القول إباحة دمائهم تعمدا لها، وقصدا إليها، وإنما هو إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بهم، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بالآباء لم يكن عليهم في قتلهم شيء، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، فكان ذلك على القصد لا قتال فيهن، فإذا قاتلهن فقد ارتفع الحظر وأحل دماء الكفار إلا بشرط الحقن. ولما روى الترمذي حديث ابن عمر الذي فيه: نهى عن قتل النساء والصبيان، على ما يأتي، إن شاء الله تعالى، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، كرهوا قتل النساء والولدان، وهو قول الثوري والشافعي. ورخص بعض أهل العلم في البيات، وقتل النساء فيهم والولدان، وهو قول أحمد وإسحاق. وقال شيخنا: وما حكاه الترمذي عن الثوري والشافعي من كراهة قتل النساء والصبيان ظاهر في ترك القتل مطلقا في البيات وغيره، وليس كذلك. أما قتلهم في غير البيات فأجمعوا على تحريمه إذا لم يقاتلوا، كما حكاه النووي في (شرح مسلم)، فإن قاتلوا فقال في (شرح مسلم) حكاية عن جماهير العلماء: يقتلون، وقال الطحاوي، رحمه الله تعالى: باب ما نهى عن قتله من النساء والولدان في دار الحرب، ثم أخرج عن تسعة أنفس من الصحابة في النهي عن قتل الولدان والنسوان، وقد مرت أحاديث أكثرهم عن قريب، ثم قال: فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على كل حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم، من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم وكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء، وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام عليهم رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف في ذلك تلف نسائهم
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»