عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٣١
وقال مجاهد قلت لابن عمر الغزو قال إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي قلت أوسع الله علي قال إن غناك لك وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه هذا التعليق وصله البخاري في المغازي في غزوة الفتح بمعناه. قوله: (الغزو)، بالنصب تقديره: قال مجاهد لعبد الله بن عمر: أريد الغزو، حاصله أراد المجاهد أن يكون مجاهدا في سبيل الله. وقال بعضهم: هو بالنصب على الإغراء، والتقدير: عليك الغزو، قلت: هذا لا يستقيم ولا يصح معناه لأن مجاهدا يخبر عن نفسه أنه يريد أن يغزو، بدليل قول ابن عمر له: إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي، وليس معناه أن يقول لابن عمر: عليك الغزو، وفي رواية الكشميهني: أنغزو؟ بالنون على الاستفهام. قوله: (قلت) أي: قال المجاهد: وسع الله علي، وأراد به أن عنده ما يكفيه للجهاد وليس له حاجة إلى ذلك، وقول ابن عمر: إن غناك لك... إلى آخره، يدل على أن الرجل إذا أخرج من ماله شيئا يتطوع به في سبيل الله فلا بأس به، وكذلك إذا أعان الغازي بفرس يغزو عليه، ونحو ذلك وهذا لا خلاف فيه.
وإنما الاختلاف فيما إذا آجر نفسه أو فرسه في الغزو، فقال مالك: يكره ذلك. وقالت الحنفية: يكره في ذلك الجعائل إلا إذا كان بالمسلمين ضعف، وليس في بيت المال شيء، فعند ذلك إن أعان بعضهم بعضا لا يكره. وقال الشافعي: لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه، وأرده إن غزا به، وإنما أجيزه من السلطان دون غيره لأنه يغزو بشيء من حقه، واحتج فيه: بأن الجهاد فرض على الكفاية، فمن فعله وقع عن فرضه فلا يجوز أن يستحق على غيره عوضا.
وقال عمر إن ناسا يأخذون من هاذا المال ليجاهدوا ثم لا يجاهدون فمن فعله فنحن أحق بماله حتى نأخذ منه ما أخذ هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق سليمان الشيباني عن عمرو بن أبي قرة، قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه أن ناسا... فذكر مثله. وأخرجه البخاري أيضا في (تاريخه). وقول عمر يدل على أن كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل فإذا أهمل العمل يؤخذ منه ما أخذه قبل، وكذلك الأخذ منه على عمل لا يتأهل له ولا يلتفت إلى تخيل أن الأصل من مال بيت المال الإباحة للمسلمين قلت: يؤخذ من ذلك أن كل من يتولى وظيفة دينية، وهو ليس بأهل لذلك، يؤخذ منه ما يأخذه من مال تلك الوظيفة التي عين لإقامتها.
وقال طاوس ومجاهد إذا دفع إليك شيء تخرج به في سبيل الله فاصنع به ما شئت وضعه عند أهلك هذا يدل على أن طاووسا ومجاهدا لا يكرهان أخذ شيء في الغزو. قوله: (دفع)، على صيغة المجهول، قوله: (ما شئت)، أي: مما يتعلق بسبيل الله، حتى الوضع عند الأهل فإنه أيضا من متعلقاته، وكان سعيد بن المسيب يقول: إذا أعطى الإنسان شيئاف في الغزو إذا بلغت رأس مغزاك فهو لك.
0792 حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت مالك بن أنس سأل زيد ابن أسلم فقال زيد سمعت أبي يقول قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حملت على فرس في سبيل الله فرأيته يباع فسألت النبي صلى الله عليه وسلم آشتريه فقال لا تشتره ولا تعد في صدقتك.
.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»