عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٢
4 ((باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد التعريف بسنة فهي، أي: اللقطة، لمن وجدها، وهو بعمومه يتناول الواجد الغني والفقير، وهذا خلاف مذهب الجمهور، فإن عندهم: إذا كانت العين موجودة يجب الرد، وإن كانت استهلكت يجب البدل، ولم يخالفهم في ذلك إلا الكرابيسي من أصحاب الشافعي، وداود الظاهري: ووافقهما البخاري في ذلك، واحتجوا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، وهذا تفويض إلى اختياره. واحتجوا أيضا بما رواه سعيد بن منصور في حديث زيد بن خالد عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ: وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك، ومن حجة الجمهور، قوله في حديث الباب السابق: وكانت وديعة عنده، وقوله في رواية بشر بن سعيد بن زيد بن خالد: فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه فإن ظاهر قوله: فإن جاء صاحبها... إلى آخره، بعد قوله: كلها، يقتضي وجوب ردها بعد أكلها، فيحمل على رد البدل، وقال ابن بطال: إذا جاء صاحب اللقطة بعد الحول لزم ملتقطها أن يردها إليه، وعلى هذا إجماع أئمة الفتوى، وزعم بعض من نسب نفسه إلى العلم: أنها لا تؤدى إليه بعد الحول، استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فشأنك بها). قال: فهذا يدل على ملكها، قال: وهذا القول يؤدي إلى تناقض السنن، إذ قال: فأدها إليه قلت: قوله فأدها إليه دليل على أنه إذا استنفقها أو تلفت عنده بعد التملك أنه يضمنها لصاحبها إذا جاء، ويدل عليه أيضا قوله في رواية بشر بن سعيد عن زيد: ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها... أمره بأدائها بعد الهلاك إذا كان قد يملكها أما إذا أتلفت عنده بغير تفريط منه فإنه لا يضمنها لصاحبها إذا جاء، لأن يده عليها يد أمانة فصارت كالوديعة.
9242 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن يزيد مولاى المنبعث عن زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال فضالة الغنم قال هي لك أو لأخيك أو للذئب قال فضالة الإبل قال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها..
مطابقته للترجمة في قوله: (فشأنك بها) بنصب النون، أي: إلزم شأنك ملتبسا بها، وقال الطيبي: قيل: إنه منصوب على المصدر، يقال: شأنت شأنه معها... الخ أي: قصدت قصده، وأشأن شأنك أي: إعمل ما تحسنه. وقال الكرماني: قوله: (فشأنك) بالنصب وبالرفع، فقال في النصب: أي: إلزم شأنك، ولم يبين الرفع، ووجهه أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف تقديره: فشأنك مباح أو جائز أو نحو ذلك، والشأن: الخطب والأمر والحال. قوله: (مالك ولها؟) أي: مالك وأخذها والحال أنها مستقلة بأسباب تعيشها، فيكون قوله: (معها سقاؤها)، على تقدير الحال، وبقية الكلام قد مرت.
5 ((باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا وجد شخص خشبة في البحر أو وجد سوطا في موضع أو وجد شيئا ونحو ذلك مثل عصا وحبل وما أشبههما، وجواب: إذا، محذوف تقديره: ماذا يصنع به؟ هل يأخذه أو يتركه؟ فإذا أخذه هل يتملكه أو سبيله سبيل اللقطة؟ ففيه اختلاف العلماء. فروى ابن عبد الحكم عن مالك: إذا ألقى البحر خشبة فتركها أفضل، وقال ابن شعبان: فيها قول آخر: إن وجدها يأخذها، فإن جاء ربها غرم له قيمتها. ورخصت طائفة في أخذ اللقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها، وممن روي عنه عمر وعلي وابن عمر وعائشة، وهو قول عطاء والنخعي وطاووس، وقال ابن المنذر: روينا عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، في اللقطة: لا بأس بما دون الدرهم أن يستمتع به. وعن جابر كانوا يرخصون في السوط والحبل ونحوه أن ينتفع به. وقال عطاء: لا بأس للمسافر إذا وجد السوط والسقاء والنعلين أن ينتفع بها، استدل من
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»