عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٠
أبي داود بالعكس. قلت: قال النووي: الجمع بينهما بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين، فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى معرفة وافية محققة ليعلم قدرها وصفتها لاحتمال أن يجيء صاحبها فيقع الاختلاف في ذلك، فإذا عرفها الملتقط وقت التملك يكون القول قوله، لأنه أمين. واللقطة وديعة عنده، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون: ثم، في الروايتين بمعنى: الواو، فلا يقتضي ترتيبا، فلا يقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع. قلت: خروج: ثم، عن معنى التشريك في الحكم والمهلة والترتيب إنما يمشي على قول الكوفيين، فتكون حينئذ زائدة، وذلك إنما يكون في موضع لا يخل بالمعنى، وههنا لا وجه لما قاله، ولئن سلمنا أنه يكون بمعنى: الواو، و: الواو، أيضا تقتضي الترتيب على قول البعض، فلا يتم الجواب بما قاله. فإن قلت: هذا العرفان واجب أم سنة؟ قلت: قيل: واجب لظاهر الأمر، وقيل: مستحب، وقيل: يجب عند الالتقاط، ويستحب بعده، قوله: (فضالة الغنم؟) أي: ما حكم ضالة الغنم؟ قوله: (قال: لك، أو لأخيك أو الذئب)، كلمة: أو، فيه للتقسيم والتنويع، والمعنى: إن ضالة الغنم لك إن أخذتها وعرفتها، ولم تجد صاحبها. قوله: (أو لأخيك) يعني: إن أخذتها وعرفتها وجاء صاحبها فهي له، وأراد به الأخ في الدين، وهو صاحب الغنم. قوله: (أو للذئب) يعني: إن تركتها ولم يتفق آخذ غيرك فهي طعمة للذئب غالبا، لأنها لا تحمي نفسها، وذكر الذئب مثال، وليس بقيد، والمراد جنس ما يأكل الشاة ويفترسها من السباع، ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة، كما سيأتي بعد أبواب، فقال: خذها فإنما هي لك... إلى آخره، وهو صريح بالأمر بالأخذ، وفيه رد على أحمد في إحدى روايتيه أنه يترك التقاط الشاة، وبه تمسك مالك في أنه يأخذها ويملكها بالأخذ، ولو جاء صاحبها لأنه صار حكمه حكم الذئب فلا غرامة، ورد عليه بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وإنما يأكلها الملتقط بالضمان، وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط فإنه يأخذها لأنها باقية على ملكه. قوله: (قال: ضالة الإبل؟) أي: ما حكم ضالة الإبل؟ قوله: (فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم) أي: تغير وجهه من الغضب ومادة تمعر: ميم وعين مهملة وراء، وأصله في الشجر إذا قل ماؤه فصال قليل النضرة عديم الإشراق ويقال للوادي المجدب: أمعر، وقال بعضهم: ولو روى بالغين المعجمة لكان له وجه، أي: صار بلون المغرة، وهي حمرة شديدة إلى كمودة، ويقويه قوله في رواية إسماعيل بن جعفر: فغضب حتى احمرت وجنتاه، أو وجهه. قلت: إذا لم تثبت فيه الرواية فلا يحتاج إلى هذا التعسف. قوله: (ما لك)، يعني: ليس لك هذا، ويدل عليه رواية سليمان بن بلال عن ربيعة التي سبقت في كتاب العلم، فذرها حتى يلقاها ربها. قوله: (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودا، أي: خفها. قوله: (وسقاؤها)، السقاء بالكسر في الأصل ظرف الماء من الجلد، والمراد به هنا: جوفها، وذلك لأنها إذا شربت يوما تصبر أياما على العطش، وقيل: المراد به عنقها لأنها تتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها، فلا تحتاج إلى ملتقط. وما يتعلق به الحكم قد مضى في كتاب العلم، ولنذكر شيئا نزرا.
اختلف العلماء في ضالة الإبل: هل تؤخذ؟ على قولين: أحدهما: لا يأخذها ولا يعرفها، قاله مالك والأوزاعي والشافعي لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل. الثاني: أخذها وتعريفها أفضل، قاله الكوفيون: لأن تركها سبب لضياعها. وفيه قول ثالث: إن وجدها في القرى عرفها، وفي الصحراء لا يعرفها. وقالت الشافعية: الأصح أنه إن وجدها بمفازة فللقاضي التقاطها للحفظ، وكذا لغيره، ويحرم التقاطها للتملك، وإن وجدها بقرية فيجوز التملك. وقال ابن المنذر: وممن رأى ضالة البقر كضالة الإبل طاووس والأوزاعي والشافعي وبعض أصحاب مالك، وقال مالك والشافعي في ضالة البقر: إن وجدت في موضع يخاف عليها فهي في منزلة الشاة، وإلا فكالبعير، وقيل: إن كانت لها قرون تمنع بها فكالبعير وإلا فكالشاة، حكاه ابن التين، وقال القرطبي: عندنا في البقر والغنم قولان، ورأى مالك إلحاقها بالغنم، ورأى ابن القاسم إلحاقها بالإبل إذا كانت بموضع لا يخاف عليها من السباع، وكان هذا تفصيل أحوال لا اختلاف أقوال، ومثلها جاء في الإبل إلحاقا بها.
واختلف في التقاط الخيل والبغال والحمر، فظاهر قول ابن القاسم: الجواز، ومنعه أشهب وابن كنانة، وقال ابن حبيب: والخيل والبغال والعبيد كل ما يستقل بنفسه ويذهب، هو داخل في الضالة، وقال ابن الجوزي: الخيل والإبل والبقر والبغال والحمير والشاة والظباء: لا يجوز عندنا التقاطها إلا أن يأخذها الإمام للحفظ، وفي (التوضيح): إذا عرف المال وشبهه وانقضى الحول أو قبله، وجاء صاحبه أخذه بزيادته المتصلة، وكذا المنفصلة إن حدثت قبل التملك، وإن حدثت بعده رجع فيها دون الزيادة.
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»