عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٦
فخرج جرذ ومعه دينار، ثم آخر حتى أخرج سبعة عشر دينارا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم خبرها، فقال: لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها.
ذكر معناه: قوله: (أخذت)، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: أصبت، وفي رواية الكشميهني: وجدت. قوله: (مائة دينار) نصب على أنه بدل من: صرة، ويجوز الرفع على تقدير: فيها مائة دينار. قوله: (فعرفها) بالتشديد أمر من التعريف، وهو أن ينادي في الموضع الذي لقاها فيه وفي الأسواق والشوارع والمساجد، ويقول: من ضاع له شيء فليطلبه عندي. قوله: (فعرفتها أيضا)، بالتشديد من التعريف، و: (حولا) نصب على الظرف. قوله: (من يعرفها) بالتخفيف من عرف يعرف معرفة وعرفانا. قوله: (ثم أتيته ثلاثا)، أي: ثلاث مرات، المعنى: أنه أتى ثلاث مرات، وليس معناه أنه أتى بعد المرتين الأوليين ثلاث مرات، وإن كان ظاهر الكلام يقتضي ذلك لأن: ثم إذا تخلفت عن معنى التشريك في الحكم والترتيب والمهلة تكون زائدة فلا تكون عاطفة البتة قاله الأخفش والكوفيون وحملوا على ذلك قوله تعالى: * (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) * (التوبة: 811). ويوضح ما ذكرنا رواية مسلم، فقال: أي: أبي بن كعب: (إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عرفها حولا. قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عرفها حولا، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال: عرفها حولا، فلم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها..) الحديث. وقد اختلفت الروايات في هذا، ففي رواية: عرفها ثلاثا، وفي أخرى: أو حولا واحدا، وفي أخرى: في سنة أو في ثلاث سنين، وفي أخرى: عامين أو ثلاثة. وروى مسلم عن جماعة هذا الحديث، ثم قال: وفي حديثهم جميعا ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمة، فإن في حديثه: عامين أو ثلاثة. وقال المنذري: لم يقل أحد من أئمة الفتوى بظاهره من أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا رواية جاءت عن عمر، رضي الله تعالى عنه، وقد روى عن عمر أنها تعرف سنة مثل قول الجماعة، وفي الحاوي عن شواذ من الفقهاء أنها تعرف ثلاثة أحوال. وقال ابن المنذر عن عمر، رضي الله تعالى عنه: يعرفها ثلاثة أشهر. قال: وروينا عنه: ثلاثة أيام، ثم يعرفها سنة، وزعم ابن الجوزي أن رواية الثلاثة أحوال: إما أن يكون غلطا من بعض الرواة، وإما أن يكون المعرف عرفها تعريفا غير جيد كما قال للمسيء صلاته: إرجع فصل فإنك لم تصل، وذكر ابن حزم عن عمر بن الخطاب: يعرف اللقطة ثلاثة أشهر، وفي رواية: أربعة أشهر، وعن الثوري: الدرهم يعرف أربعة أيام. وقال صاحب (الهداية): إن كانت أقل من عشرة دراهم يعرفها أربعة، وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا، وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقدر محمد الحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وهو ظاهر المذهب، وفي (التوضيح): كذا قاله أبو إسحاق في تنبيهه، والمذهب الفرق، فالكثير يعرف سنة، والقليل يعرف مدة يغلب على الظن قلة أسف صاحبه عليه، وممن روى عنه تعريف سنة: علي وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي، وإليه ذهب مالك والكوفيون والشافعي وأحمد، ونقل الخطابي إجماع العلماء فيه، وقال ابن الجوزي: ابتداء الحول من يوم التعريف، لا من الأخذ. قوله: (إحفظ وعاءها)، بكسر الواو وقد يضم وبالمد، وقرأ الحسن بالضم في قوله: وعاء أخيه، وقرأ سعيد بن جبير إعاء أخيه، بقلب الواو همزة مكسورة، والوعاء ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خرق أو خشب أو غير ذلك، ويقال: الوعاء هو الذي يكون فيه النفقة، وقال ابن القاسم: هو الخرقة. قوله: (ووكاءها)، بكسر الواو وبالمد، وهو الذي يشد به رأس الكيس، أو الصرة أو غيرها، ويقال: أوكيته إيكاء، فهو موك، بلا همز. وزاد في حديث زيد بن خالد العفاص، كما يجيء عن قريب. قوله: (فإن جاء صاحبها)، شرط جزاؤه محذوف، نحو: فارددها إليه. قوله: (وإلا)، أي: وإن لم يجيء صاحبها فاستمتع بها، استدل به قوم. وبقوله: (فشأنك بها)، في حديث سويد الذي مضى: على أن بعد السنة يملك الملتقط اللقطة، وهذا خرق لإجماع أئمة الفتوى في أنه يردها بعد الحول أيضا إذا جاء صاحبها، لأنها وديعة عنده، ولقوله، صلى الله عليه وسلم: فأدها إليه. قوله: (فلقيته بعد بمكة)، القائل بقوله: لقيته، شعبة، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى سلمة بن كهيل. قوله: (بعد)، بضم الدال، أي: بعد ذلك. قوله: (بمكة)، حال من الضمير المنصوب أي: حال كون سلمة بمكة، يعني: كان ملاقاة شعبة بسلمة
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»