عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٢
قبل أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدا له فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع). قوله: (والحرث)، أي: الزرع فإنه للبائع إذا باع الأرض المزروعة. قوله: (سمى له نافع) أي: سمى لابن جريج هؤلاء الثلاثة، أي: التمر والعبد والحرث، وهو بتمامه موقوف على نافع.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه: الأول: أخذ بظاهر هذا وبظاهر حديث ابن عمر المرفوع الذي هو عقيب هذا كما يأتي إن شاء الله تعالى مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق، فقالوا: من باع نخلا قد أبرت ولم يشترط ثمرته المبتاع فالثمرة للبائع، وهي في النخل متروكة إلى الجذاذ، وعلى البائع السقي وعلى المشتري تخليته وما يكفيه من الماء، وكذلك إذا باع الثمرة دون الأصل فعلى البائع السقي. وقال أبو حنيفة: سواء أبرت أو لم تؤبر هي للبائع وللمشتري أن يطالبه بقلعها عن النخل في الحال، ولا يلزمه أن يصبر إلى الجذاذ فإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجذاذ فالبيع فاسد. وقال أبو حنيفة: تعليق الحكم بالإبار إما للتنبيه له على ما لم يؤبر، أو لغير ذلك، أو لم يقصد به نفي الحكم عما سوى الحكم المذكور.
وتلخيص مأخذ اختلافهم في الحديث أن أبا حنيفة استعمل الحديث لفظا ومعقولا، واستعمله مالك والشافعي لفظا ودليلا ولكن الشافعي يستعمل دلالته من غير تخصيص، ويستعملها مالك مخصصة. وبيان ذلك أن أبا حنيفة جعل الثمرة للبائع في الحالين، وكأنه رأى أن ذكر الإبار تنبيه على ما قبل الإبار، وهذا المعنى يسمى في الأصول: معقول الخطاب، واستعمله مالك والشافعي على أن المسكوت عنه حكمه حكم المنطوق، وهذا يسميه أهل الأصول دليل الخطاب، وقول الثوري وأهل الظاهر وفقهاء أصحاب الحديث كقول الشافعي، وقول الأوزاعي نحو قول أبي حنيفة، وقال ابن أبي ليلى: سواء أبرت، أو لم تؤبر الثمرة للمشتري، اشترط أو لم يشترط، قال أبو عمر: إنه خالف لحديث ورده جهلا به.
الثاني: أن المالكية استدلت به على كون الثمرة مع الإطلاق للبائع بعد الإبار إلا أن يشترط، وأنها قبل الإبار للمشتري. قلت: كأن مالكا يرى أن ذكر الإبار ههنا لتعليق الحكم ليدل على أن ما عداه بخلافه.
الثالث: قال مالك: إذا لم يشترط المشتري الثمرة في شراء الأصل جاز له شراؤها بعد شراء الأصل، وهذا مشهور قوله، وعنه: أنه لا يجوز له إفرادها بالشراء ما لم تطب، وهو قول الشافعي.
الرابع: استدل به أشهب من المالكية على جواز اشتراط بعض الثمر، وقال: يجوز لمن ابتاع نخلا قد أبرت أن يشترط من الثمر نصفها أو جزءا منها، وكذلك في مال العبد، لأن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه، وما لم يدخل الربا في جميعه فأحرى أن لا يدخل في بعضه. وقال ابن القاسم: لا يجوز لمبتاع النخل المؤبر أن يشترط منها جزءا، وإنما له أن يشترط جميعها أو لا يشترط شيئا منها.
الخامس: استدلت به أصحابنا على أن من باع رقيقا وله مال أن ماله لا يدخل في البيع، ويكون للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.
السادس: استدل به على أن المؤبر يخالف في الحكم غير المؤبر، وقالت الشافعية: لو باع نخلة بعضها مؤبر وبعضها غير مؤبر فالجميع للبائع، فإن باع نخلتين فكذلك بشرط اتحاد الصفة، فإن أفرد فلكل حكمه. ويشترط كونهما في بستان واحد، فإن تعدد فلكل حكمه. ونص أحمد على أن الذي يؤبر للبائع والذي لا يؤبر للمشتري، وجعلت المالكية الحكم للأغلب.
السابع: اختلف الشافعية فيما لو باع نخلة وبقيت ثمرتها ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة، فقال ابن أبي هريرة: هو للمشتري، لأنه ليس للبائع إلا ما وجد دون ما لم يوجد. وقال الجمهور: وهو للبائع لكونه من ثمرة المؤبر دون غيرها.
الثامن: روى ابن القاسم عن مالك أن من اشترى أرضا مزروعة ولم يسنبل فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وإن وقع البيع والبذر ولم ينته فهو للمبتاع بغير شرط، وروى ابن عبد الحكم عن مالك إن كان الزرع لقح أكثره ولقاحه أن يتحبب ويسنبل حتى لو يبس حينئذ لم يكن فسادا، فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وإن كان لم يلقح فهو للمبتاع.
التاسع: إن وقع العقد على النخل أو على العبد خاصة ثم زاده شيئا يلحق الثمرة والمال. وقال ابن القاسم: إن كان بحضرة البائع وتقديره جاز، وإلا فلا. وقال أشهب: يجوز في الثمرة ولا يجوز في مال العبد.
العاشر: استدل به الطحاوي على جواز بيع الثمرة على رؤوس النخل قبل بدو صلاحها، وذلك لأنه، صلى الله عليه وسلم، جعل فيه ثمر النخل للبائع عند عدم اشتراط المشتري، فإذا اشترط المشتري ذلك يكون له، ويكون المشتري مشتريا لها أيضا. واعترض البيهقي عليه فقال: إنه يستدل بالشيء في غير ما ورد فيه، حتى إذا جاء ما ورد فيه استدل بغيره عليه كذلك، فيستدل لجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بحديث التأبير، ولا يعمل
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»