عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٠
صاحب العين. السادس عشر: استدل به على رجوع البائع، وإن كان للمفلس ضامن بالثمن، وقد فرق صاحب (التتمة) بين أن يضمن بإذن المشتري أو لا، فإن ضمن بإذنه فليس له الفسخ، وإن ضمن بغير إذنه فوجهان. السابع عشر: استدل به من ذهب إلى أن البائع يرجع فيه، وإن كان المبيع شخصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري، وهو وجه، والصحيح أنه يأخذه الشفيع ويكون الثمن بين الغرماء، وقيل: يأخذه الشفيع ويخص البائع بالثمن جمعا بين الحقين. الثامن عشر: فيه أنه يرجع، وإن وجده معيبا. التاسع عشر: فيه أنه لا يرجع بالزوائد المنفصلة لأنها ليست متاعه. العشرون: استدل به على أن البائع له الرجوع، وإن كان المشتري قد بنى وغرس فيها، وفيه خلاف وتفصيل معروف في كتب الفقه. انتهى.
قلت: ذهب إبراهيم النخعي والحسن البصري والشعبي في رواية، ووكيع بن الجراح وعبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة. وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: إلى أن بائع السلعة أسوة للغرماء، وصح عن عمر بن عبد العزيز أن من اقتضى من ثمن سلعته شيئا ثم أفلس فهو والغرماء فيه سواء، وهو قول الزهري، وروي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، نحو ما ذهب إليه هؤلاء، وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: هو فيها أسوة الغرماء إذا وجدها بعينه، وبهذا يرد على ابن المنذر في قوله: ولا نعلم لعثمان في هذا مخالفا من الصحابة. وقول عثمان مر عن قريب في أوائل الباب. وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم، قال: هو والغرماء فيه شرعا سواء، وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن الشعبي، وسأله رجل أنه وجد ماله بعينه، فقال: ليست لك دون الغرماء.
وأجاب الطحاوي عن حديث الباب أن المذكور فيه: من أدرك ماله بعينه، والمبيع ليس هو عين ماله، وإنما هو عين مال قد كان له، وإنما ماله بعينه يقع على المغصوب والعواري والودائع وما أشبه ذلك، فذلك ماله بعينه فهو أحق به من سائر الغرماء، وفي ذلك جاء هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يدل عليه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة، رضي الله تعالى عنه، فإنه حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن سعيد بن زيد بن عقبة عن أبيه عن سمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سرق له متاع، أو ضاع له متاع فوجده عند رجل بعينه فهو أحق بعينه، ويرجع المشتري على البائع بالثمن. وأخرجه الطبراني أيضا، فهذا يبين أن المراد من حديث أبي هريرة أنه على الودائع والعواري والمغصوب ونحوها، وأن صاحب المتاع أحق به إذا وجده في يد رجل بعينه، وليس للغرماء فيه نصيب لأنه باق على ملكه، لأن يد الغاصب يد التعدي والظلم، وكذلك السارق، فخلاف ما إذا باعه وسلمه إلى المشتري فإنه يخرج عن ملكه وإن لم يقبض الثمن.
قلت: حديث سمرة هذا فيه الحجاج بن أرطأة والنخعي فيه مقال. قلت: ما للحجاج وقد روى عنه مثل الإمام أبي حنيفة والثوري وشعبة وابن المبارك؟ وقال العجلي: كان فقيها. وقال أحد مفتي الكوفة: وكان جائز الحديث، وقال أبو زرعة: صدوق مدلس، وقال ابن حبان: صدوق يكتب حديثه، وقال الخطيب: أحد العلماء بالحديث والحفاظ ل. وفي (الميزان): أحد الأعلام. وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وسعيد بن زيد وثقه ابن حبان، وأبوه زيد بن عقبة وثقه العجلي والنسائي.
فإن وقد تكلم جماعة ممن يلوح منهم لوائح التعصب بما فيه ترك مراعاة حسن الأدب، فقال القرطبي في (المفهم)؛ تعسف بعض الحنفية في تأويل هذا الحديث بتأويلات لا تقوم على أساس، وقال النووي: وتأولوه بتأويلات ضعيفة مردودة وقال ابن بطال: قال الحنفية: البائع أسوة للغرماء، ودفعوا حديث التفليس بالقياس، وقالوا: السلعة مال المشتري وثمنها في ذمته، والجواب: أنه لا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السنة، أما مع وجودها فهي حجة على من خالفها، فإن قال الكوفيون: نؤوله بأنه محمول على المودع والمقرض دون البائع. قلنا: هذا فاسد، لأنه، صلى الله عليه وسلم، جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه، والمودع أحق بعينه سواء كان على صفته أو قد تغير عنها، فلم يجز حمل الخبر عليه، ووجب حمله على البائع لأنه إنما يرجع بعينه إذا وجده بصفته لم يتغير، فإذا تغير فإنه لا يرجع.
وقال الكرماني: وقال بعضهم: هذا التأويل غير صحيح إذ لا خلاف أن صاحب الوديعة أحق بها، سواء وجدها عند مفلس أو غيره، وقد شرط الإفلاس في الحديث، وقال صاحب (التوضيح)؛ وحمل أبو حنيفة الحديث على الغصب والوديعة لأنه لم يذكر البيع فيه، وأول الحديث بتأويلات ضعيفة مردودة، وتعلق بشيء يروى عن علي وابن
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»