عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٢٣
04 ((باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء)) أي: هذا باب في بيان حكم التجارة في الشيء الذي يكره لبسه للرجال والنساء، والمراد من قوله: لبسه يعني: استعماله، ويذكر اللبس ويراد به الاستعمال. كما في حديث أنس: (فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس). أي: من طول ما استعمل، والذي يكره استعماله للرجال والنساء مثل النمرقة التي فيها تصاوير، فإن استعمالها يكره للرجال والنساء جميعا، وبهذا يندفع اعتراض من قال: جعل البخاري هذه الترجمة فيم يكره لبسه للرجال والنساء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة علي، رضي الله تعالى عنه، شفقها خمرا بين الفواطم، وكان على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فإنما المعنى: من لا خلاق له من الرجال، فأما النساء فلا. فإن أراد شراء ما فيه تصاوير فحديث عمر لا يدخل في هذه الترجمة. انتهى. قلت: بل يدخل، لأن الترجمة لها جزآن: أحدهما: قوله للرجال، والآخر: قوله للنساء، فحديث عمر يدخل في الجزء الأول، وحديث عائشة يدخل في الجزء الثاني إن كان اللبس على معناه الأصلي. وإن جعلناه بمعنى: الاستعمال، كما ذكرناه، يدخل في الجزأين جميعا. فافهم. فإنه موضع تعسف فيه الشراح، وهذا الذي ذكرته فتح لي من الأنوار الإل 1764; هية والفيوض الربانية.
4012 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا أبو بكر بن حفص عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله تعالى عنه بحلة حرير أو سيراء فرآها عليه فقال إني لم أرسل بها إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له إنما بعثت إليك لتستمتع بها يعني تبيعها..
مطابقته للجزء الأول من الترجمة، وقد ذكرناه الآن. ورجاله قد ذكروا، وأبو بكر بن حفص هو عبد الله بن حفص ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، مر في أول الغسل.
والحديث أخرجه مسلم بألفاظ مختلفة، ففي لفظ: (إني لم أبعث لها لتلبسها ولكن بعثن إليك بها لتصيب بها)، وفي لفظ: (تبيعها وتصيب بها حاجتم)، وفي لفظ: (إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها)، وفي لفظ: (إنما بعث بها إليك لتنتفع بها، ولم أبعث إليك لتلبسها). وفي لفظ: (إنما بعث بها إليك لتصيب بها مالا.) قوله: (بحلة)، بضم الحاء المهملة، وهي واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة، إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد. قوله: (أوسيراء)، بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وبالمد، وهو برد فيه خطوط صفر، وقيل: هي المضلعة بالحرير، وقيل: إنها حرير محض. وقال ابن الأثير: هو نوع من البرد يخالطه حرير كالسيور، فهو فعلاء من السير: القد، هكذا يروى على الصفة، وقال بعض المتأخرين: إنما هو حلة سيراء على الإضافة، واحتج بأن سيبويه، قال: لم يأت فعلاء صفة لكن اسما، وقد مر في كتاب الجمعة حديث عمر بأطول من هذا من وجه آخر.
5012 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هاذه النمرقة قلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة..
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة قد مر في أول الباب. وقال الكرماني: الاشتراء أعم من التجارة، فكيف يدل على الخاص الذي هو التجارة التي عقد عليها الباب؟ فأجاب: بأن حرمة الجزء مستلزمة لحرمة الكل، وهو من باب إطلاق الكل
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»