عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٩٦
باب في بيان حكم الشيء الذي يستخرج من البحر: هل تجب فيه الزكاة؟ كما ذكرناه.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس العنبر بركاز هو شيء دسره البحر مطابقته للترجمة في كون العنبر مما يستخرج من البحر، والعنبر بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة: ضرب من الطيب، وهو غير العبير، بفتح العين وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، فإنه أخلاط تجمع بالزعفران. وقال الكرماني: الظاهر أن العنبر زبد البحر، وقيل: هو روث دابة بحرية. وقيل: إنه شيء ينبت في قعر البحر فيأكله بعض الدواب، فإذا امتلأت منه قذفته رجيعا. وقال ابن سينا: هو نبع عين في البحر. وقيل: إنه من كور النخل يخرج في السنبل ببعض الجزاير، وقال الشافعي في كتاب السلم من الأم: أخبرني عدد ممن أثق بخبره: أنه نبات يخلقه الله تعالى في جنبات البحر. وحكى ابن رستم عن محمد بن الحسن أنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر. وقيل: إنه شجر ينبت في البحر فينكسر فيلقيه الموج إلى الساحل. وقال ابن سينا: وما يحكى من أنه روث دابة أو قيؤها أو من زبد البحر بعيد. قوله: (بركاز) الركاز، بكسر الراء وتخفيف الكاف وفي آخره زاي، وهو يقال للمعدن والكنز جميعا، والمعدن خاص لما يكون في باطن الأرض خلقة، والكنز خاص لما يكون مدفونا. والركاز يصلح لهما، كما قلنا. وفي (مجمع الغرائب): الركاز المعادن وقيل: هو كنوز الجاهلية. وفي (النهاية) لابن الأثير: كنوز الأرض الجاهلية المدفونة في الأرض، وهي المطالب في العرف عند أهل الحجاز، وهو المعادن عند أهل العراق، والقولان تحتملهما اللغة، وقال النووي: الركاز بمعنى المركوز، كالكتاب بمعنى المكتوب. قلت: من ركز في الأرض إذا أثبت أصله، والكنز يركز في الأرض كما يركز الرمح. قوله: (دسره) أي: دفعه ورمى به إلى الساحل. ثم هذا التعليق رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا الحميدي وابن قعنب وسعيد قالوا: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أذينة، قال: سمعت ابن عباس قال: ليس العنبر بركاز. وفي (المصنف): حدثنا وكيع عن سفيان بن سعيد عن عمرو بن دينار عن أذينة عن ابن عباس: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر، وأذينة مصغر أذن تابعي ثقة. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس، سئل في العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس. قلت: قال البيهقي: علق القول فيه في هذه الرواية، وقطع بأن لا زكاة فيه في الرواية الأولى، والقطع أولى. وقال ابن التين: قول ابن عباس قول أكثر العلماء. فإن قلت: روي عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه أخذ الخمس من العنبر؟ قلت: هو محمول على الجيش، يدخلون أرض الحرب فيصيبون العنبر في ساحلها وفيه الخمس لأنه غنيمة.
وقال الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس الحسن هو البصري، ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة في (مصنفه): عن معاذ بن معاذ عن أشعث عن الحسن أنه كان يقول: في العنبر الخمس، وكذلك كان يقول: في اللؤلؤ، واللؤلؤ مطر الربيع يقع في الصدف فعلى هذا أصله ماء، ولا شيء في الماء. وقيل: إن الصدف حيوان يخلق فيه اللؤلؤ. وفي (كتاب الأحجار) لأبي العباس التيغاشي: إن حيوان الجوهر الذي يتكون فيه منه الكبير ويسمى الدر، ومنه الصغير ويسمى اللؤلؤ. وهذا الحيوان يسمى باليونانين: أرسطورس، يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملتصقتان بجسمه، والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود، وله فم وأذنان وشحم من داخلها إلى غاية الصدفتين، والباقي رغوة وزبد وماء. وقيل: إن البحر المحيط يلحق آخره أول البحر المسلوك، وإن الرياح تصفق الذي فيه الدر في وقت ريح الشمال، فيصير لموجه رشاش فيلتقمه الصدف عند ذلك إلى قعر البحر، فيتغرس هناك ويضرب بعروق فيتشعب مثل الشجر ويصير نباتا بعد أن كان حيوانا ذا نفس، فإذا تركت هذه الصدفة حتى يطول مكثها تغيرت وفسدت. واللؤلؤ: بهمزتين وبواوين، ويقال: الثاني بالواو، والأول بالهمز، وبالعكس قال النووي: أربع لغات. قلت: لا يقال لتخفيف الهمزة لغة، وقال ابن قدامة: ولا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه في ظاهر قول الخرقي، وروي نحو ذلك عن ابن عباس، وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح والشافعي وأبو حنيفة ومحمد وأبو ثور وأبو عبيد، وعن أحمد رواية أخرى: أن فيه الزكاة، لأنه خارج من معدن التبر، وبه قال
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»