عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٠٩
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن شيخه من أفراده وأنه محمد بن جهضم بصريان ومحمد هذا يمامي ثم خراساني، ثم سكن البصرة فعد من أهلها، وعمر وأبوه مدنيان، وفيه: رواية الابن عن أبيه. وفيه: أن عمر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في النهي عن الفزع. وفيه: أن شيخه مذكور باسم أبيه واسم جده.
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود والنسائي عن يحيى بن محمد شيخ البخاري. وأخرجه الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع (عن ابن عمر: قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير. قال: فعدل الناس إلى نصف صاع من بر)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن عن مالك عن نافع (عن عبد الله ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعآ من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين) وقال: حديث حسن صحيح.
ذكر معناه: قوله: (فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم) قال أبو عمر: قوله: (فرض)، يحتمل وجهين أحدهما وهو الأظهر: فرض بمعنى أوجب، والآخر: فرض بمعنى قدر. كما تقول: فرض القاضي نفقة اليتيم أي: قدرها، والذي أذهب إليه أن لا يزال قوله: (فرض) عن معنى الإيجاب إلا بدليل الإجماع، وذلك معدوم، فإن القول بأنها غير واجبة شذوذ أو في معنى الشذوذ. وقال أصحابنا: بأنها واجبة على حقيقتها الاصطلاحية، وهي أن تكون بين الفرض والسنة. وقال الشافعي: فرض بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة. وقال تاج الشريعة من أصحابنا: هي واجبة حتى لا يكفر جاحدها، وهو الفرق بين الفريضة والواجب. وقال ابن دقيق العيد: أصل معنى الفرض في اللغة التقدير، ولكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب، فالحمل عليه أولى، يعني: من الحمل على معناه الأصلي، وقد ذكرنا أن بعضهم ذهبوا إلى أنه سنة لأنهم قالوا: معنى فرض في الأحاديث التي وردت قدر، وحملوه على معناه الأصلي. وقال الكرماني: المفهوم من لفظ: فرض، بحسب عرف الشرع: الوجوب، ولا يجوز للراوي أن يعبر بالفرض عن المندوب مع علمه بالفرق بينهما. قلت: يرد عليهم أنهم لم يفرقوا بين الفرض والواجب مع علمهم بالفرق بينهما بحسب اللغة.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه:
الأول: أن صدقة الفطر من التمر والشعير صاع، ومذهب داود ومن تبعه أنه: لا يجوز إلا من التمر والشعير، ولا يجزئ عنده قمح ولا دقيقه ولا دقيق شعير ولا سويق ولا خبز ولا زبيب ولا غير ذلك، واحتج في ذلك بهذا الحديث، قال: لأنه ذكر فيه ابن عمر التمر والشعير ولم يذكر غيرهما. وقال أبو عمر: أجمع العلماء على أن الشعير والتمر لا يجزئ من أحدهما إلا صاع كامل أربعة أمداد.
الثاني: قوله: (على العبد) تعلق به داود في وجوبها على العبد وأن السيد يجب عليه أن يمكنه من كسبها كما يمكنه من صلاة الفرض، ومذهب الجماعة وجوبها على السيد حتى لو كان للتجارة، وهو مذهب مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وقال عطاء والنخعي والثوري والحنفيون: إذا كان للتجارة لا تلزمه فطرته، وأما المكاتب فالجمهور أنها لا تجب عليه، وعن مالك قولان: يخرجها عن نفسه، وقيل: سيده، ولا تجب على السيد عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقال ميمون بن مهران وعطاء وأبو ثور: يؤدي عنه سيده، واستدل لمن قال: لا تجب على السيد بما رواه البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن كل مملوك له في أرضه وأرض غيره، وعن كل إنسان يعوله من صغير وكبير، وعن رقيق امرأته وكان له مكاتب بالمدينة فكان لا يؤدي عنه. وقال البيهقي: وفي رواية الثوري عن موسى: كان لابن عمر مكاتبان فلا يعطي عنهما الزكاة يوم الفطر، ورواه ابن أبي شيبة عن حفص عن الضحاك بن عثمان عن نافع.
الثالث: قوله: (والأنثى) ظاهره وجوبها على المرأة، سواء كان لها زوج أو لا، وأما المرأة المزوجة فلا تجب فطرتها على زوجها عند أبي حنيفة والثوري وابن المنذر ومالك. وقال الشافعي ومالك في (الصحيح) وإسحاق: تلزم على الزوج، مستدلين بقول ابن عمر: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير ممن تمونون). وقال البيهقي: إسناده غير قوي.
الرابع: قوله: (والصغير)، جمهور
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»