عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٦٠
فحديث أنس وأخرجه الستة، خلا ابن ماجة، من رواية محمد بن المنكدر عن أنس، في حديث له قال فيه: فلما ركب راحلته واستوت به أهل. ولأبي داود والنسائي من رواية الحسن، فلما أتى على جبل البيداء أهل، وروى ابن ماجة من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن ثابت عن أنس في حديث: فلما استوت به ناقته، قال: لبيك بعمرة وحجة معا. وحديث المسور بن مخرمة أخرجه البخاري وأبو داود في قصة الحديبية، وفيه: فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها. وحديث سعد رواه أبو داود من طريق إسحاق عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، قالت: قال سعد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته. وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء. وحديث ابن عباس، رواه مسلم من رواية أبي حسان الأعرج عنه، وفيه: ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج، وفي رواية الدارقطني من حديث ابن عباس: ثم قعد على بعيره، فلما استوى على البيداء أهل بالحج.
وعن هذا اختلف العلماء في الموضع الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: إنه أهل من مسجد ذي الحليفة. وقال آخرون: لم يهل إلا بعد أن استوت به راحلته بعد خروجه من المسجد، وروى ذلك أيضا عن ابن عمر وأنس وابن عباس وجابر، وقال آخرون: بل أحرم حين أظل على البيداء. قال الطحاوي: وأنكر قوم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء، روي ذلك عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال: ما أهل إلا من ذي الحليفة، قالوا: وإنما كان ذلك بعدما ركب راحلته، واحتجوا بما رواه ابن أبي ذئب عن الزهري عن نافع عن ابن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يهل إذا استوت به راحلته قائمة، وكان ابن عمر يفعله. قالوا: وينبغي أن يكون ذلك بعدما تنبعث به راحلته، واحتجوا بما رواه مالك عن المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر قال: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته قائمة. انتهى. قلت: أراد الطحاوي بقوله: وأنكر قوم الزهري وعبد الملك بن جريج وعبد الله بن وهب، فإنهم قالوا: ما أحرم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا من عند المسجد. قال الطحاوي: فلما اختلفوا في ذلك أردنا أن ننظر من أين جاء اختلافهم، فروى سعيد بن جبير، قال قلت: لابن عباس: كيف اختلف الناس في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت طائفة: أهل في مصلاه، وقالت طائفة: حين استوت به راحلته، وقالت طائفة: حين علا البيداء؟ وساق بقية كلامه نحو ما ذكره أبو داود، ولفظه: عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: يا أبا العباس، عجبت لاختلاف الصحابة في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا، فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علا شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا شرف البيداء، وأيم الله، لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته وأهل حين علا شرف البيداء. قال سعيد بن جبير: فمن أخذ بقول ابن عباس: أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه. وقال الطحاوي: فبين ابن عباس الوجه الذي جاء فيه اختلافهم، وأن إهلال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ابتدأ الحج ودخل فيه، كان في مصلاه، فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم. وقال الأوزاعي وعطاء وقتادة: المستحب الإحرام من البيداء. وقال البكري: البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي، وفي أول البيداء بئر ماء.
12 ((باب ما لا يلبس المحرم من الثياب)) أي: هذا باب في بيان ما لا يلبس المحرم، أي: ما لا يجوز لبسه للمحرم، سواء كان محرما بحج أو بعمرة، أو كان متمتعا أو قارنا. وقوله: (من الثياب)، بيان لما قبله.
2451 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»