عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٥٤
بالشحم وهو محرم. وعن أشعث بن أبي الشعثاء: حدثني من سمع أبا ذر يقول: لا بأس أن يتداوى المحرم بما يأكل، وفي رواية: حدثني مرة بن خالد عن أبي ذر، وعن معتب البجلي قال: أصابني شقاق وأنا محرم فسألت أبا جعفر؟ فقال: ادهنه بما تأكل. وكذا قاله ابن جبير وإبراهيم وجابر بن زيد ونافع والحسن وعروة. وقال أبو بكر: حدثنا وكيع حدثنا حماد عن فرقد السنجي عن ابن جبير عن ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يدهن بالزيت عند الإحرام. قال الزهري: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد، ولفظه: بالزيت وهو محرم غير المقتت. قال أبو عيسى: المقتت المطيب. قلت: المقتت، بضم الميم وفتح القاف وتشديد التاء الأولى المثناة من فوق.
قوله: (يشم)، بفتح الشين المعجمة على الأشهر، وحكى ضمها، وذكر في (الفصيح) بفتح الشين في المضارع وكسرها في الماضي، والعامة تقول: شممت، بالفتح في الماضي، وفي المستقبل بالضم وهو خطأ. وعن الفراء وابن الأعرابي: يقال: شممت أشم، شممت أشم والأولى أفصح، ويقال في مصدره: الشم والشميم وتشممته تشمما. وقال الزمخشري: وقد جاء في مصدره: شميمي على وزن: فعيلي كالخطيطي. وقال ابن درستويه: معنى الشم استنشاق الرائحة، وقد يستعار في غير ذلك في كل ما قارب شيئا أدنى منه. قوله: (ويتداوى بما يأكل) أي: بالذي يأكل منه قوله: (الزيت والسمن) بالجر فيهما. قال الكرماني: لأنه بدل أو بيان لما يأكل. وقال ابن مالك: بالجر عطف على: ما، الموصولة فإنها مجرورة بالباء أعني: في قوله بما قيل. وقع بالنصب وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول. لكن يجوز على الاتساع. قلت: لا حاجة إلى هذا التعسف، بل يكون منصوبا على تقدير: أعني الزيت والسمن، عطف عليه، ويجوز الرفع فيهما على أن يكون الزيت خبر مبتدأ محذوف أي: هو الزيت والسمن، عطف عليه.
وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان عطاء: ابن أبي رباح. قوله: (يتختم) أي: يلبس الخاتم، ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع حدثنا هشام بن الغاز عن عطاء، قال: لا بأس بالخاتم للمحرم. وحدثنا المحاربي عن العلاء عن عطاء، قال: لا بأس بالخاتم للمحرم. وحدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عنه، وعن ابن عباس بسند صحيح: لا بأس بالخاتم للمحرم. وعن أبي الهيثم عن النخعي ومجاهد مثله. وقال خالد بن أبي بكر: رأيت سالم بن عبد الله يلبس خاتمه وهو محرم، وكذا قاله إسماعيل بن عبد الملك عن سعيد بن جبير. قوله: (ويلبس الهميان)، بكسر الهاء معرب، هو شبه تكة السراويل تجعل فيها الدراهم وتشد على الوسط. وفي (المغيث): قيل هو فعلان من: همى، إذا سال لأنه إذا أفرغ همي ما فيه، وفسر ابن التين الهميان: بالمنطقة، وأخرج الدارقطني من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء. ربما ذكره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم. وأخرجه الطبراني وابن عدي من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف. وقال ابن عبد البر: وأجمع عوام أهل العلم على أن للمحرم أن يشد الهميان على وسطه. وروي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب والقاسم وعطاء وطاووس والنخعي وهو قول مالك والكوفيين والشافعي وأحمد وأبي ثور غير إسحاق فإنه قال: لا يعقده ويدخل السيور بعضها في بعض. وسئلت عائشة عن المنطقة، فقالت: أوثق عليك نفقتك. وقال ابن علية: قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والإزار على وسطه وكذلك المنطقة. وقول إسحاق لا يعد خلافا ولاحظ له في النظر لأن الأصل النهي عن لباس المخيط وليس هذا مثله، فارتفع أن يكون له حكمه. وقال ابن التين: إنما ذلك ليكون نفقته فيها، وأما نفقة غيره فلا، وإن جعلها في وسطه لنفقته ثم نفدت نفقته وكان معها وديعة ردها إلى صاحبها، فإن تركها افتدى، وإن كان صاحبها غاب بغير علمه فينفقها ولا شيء عليه، ويشد المنطقة من تحت الثياب.
وطاف ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب الواو في: وهو، وقد حزم، للحال. أي: شد، وهذا التعليق وصله الشافعي من طريق طاووس، قال: رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب. وعن سعيد عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه، إنما غرز طرفه
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»