عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١١٨
رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير...) الحديث، (لا نخرج غيره) فإن قلت: في روايته الأخرى: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام؟) قلت: قد بينت فيما مضى أن الطعام اسم لما يطعم مما يؤكل ويقتات، فيتناول الأصناف التي ذكرها في حديثه. وجواب آخر: أن أبا سعيد إنما أنكر على معاوية على إخراجه المدين من القمح لأنه ما كان يعرف القمح في الفطرة، وكذلك ما نقل عن ابن عمر. وجواب آخر: أن أبا سعيد كان يخرج النصف الآخر تطوعا، وقال هذا القائل أيضا: أما من جعل نصف صاع فيها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد، وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالآثار وترك العدول إلى الاجتهاد مع وجود النص. قلت: مع وجود الأحاديث الصحيحة الصريحة أن الصدقة من الحنطة نصف صاع، كيف يكون الاجتهاد؟ وأبو سعيد هو الذي اجتهد حتى جعل الطعام برا، مع قوله: (كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير..) الحديث، ولا نخرج غيره، ومع مخالفته الآثار التي فيها نصف صاع من بر، كيف ترك العدول إلى الاجتهاد؟ وقوله: مع وجود النص غير مسلم، لأنه لم يكن عنده نص غير صاع من طعام، ولم يكن عنده نص صريح على أن الصدقة من البر صاع؟ فإن قلت: كيف تقول: ولم يكن عنده نص صريح على أن الصدقة من البر صاع؟ وقد روى الحاكم حديثه، وفيه: (أو صاعا من حنطة؟) قلت: ذكر ابن خزيمة أن ذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم. وقول الرجل له: أو مدين من قمح، دال على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم، إذ لو كان صحيحا لم يكن لقوله: أو مدين من قمح، معنى. وقد عرف تساهل الحاكم في تصحيح الأحاديث المدخولة، وكذلك أشار أبو داود في (سننه) أن هذا ليس بمحفوظ، وقد ذكرنا هذا فيما مضى مفصلا.
67 ((باب الصدقة قبل العيد)) أي: هذا باب في بيان أن صدقة الفطر قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وقد ذكرنا فيما مضى أن وقت وجوب صدقة الفطر عند أبي حنيفة بطلوع الفجر يوم الفطر، وهو قول الليث بن سعد ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب وغيرهما، وفي رواية عنه: تجب بآخر جزء من ليلة الفطر وأول جزء من يوم الفطر. وفي رواية أشهب: تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد، وكان قال في القديم ببغداد: إنما تجب بطلوع فجر يوم الفطر، وبه قال أبو ثور، رحمه الله تعالى، ومع هذا كله يستحب أن يخرجها قبل ذهابه إلى صلاة العيد، دل عليه حديث الباب.
9051 حدثنا آدم قال حدثنا حفص بن ميسرة قال حدثنا موسى ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة من التقرير الذي ذكرنا عندها.
ذكر رجاله: وهم: خمسة: آدم هو ابن أبي إياس، وحفص ابن ميسرة ضد الميمنة أبو عمر بدون الواو الصنعاني نزل الشام، مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
وأخرجه مسلم، رضي الله تعالى عنه، في الزكاة عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيه عن عبد الله بن محمد النفيلي. والترمذي، رحمه الله تعالى، فيه عن مسلم بن عمر. والنسائي فيه عن محمد بن معدان وعن محمد بن عبد الله بن بزيع.
قوله: (أمر)، ظاهره يقتضي وجوب الأداء قبل صلاة العيد، ولكنه محمول على الاستحباب، وذلك ليحصل الغناء للفقراء في هذا اليوم ويستريحون عن الطواف. ووقع في حديث أخرجه ابن سعد عن ابن عمر قال: (إغنوهم)، يعني: المساكين، (عن طواف هذا اليوم). وذكر ابن العربي في (العارضة): وفي كتاب مسلم:
(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الناس وقال: إغنوهم عن سؤال هذا اليوم)، وقال: هذا قوى في الأثر، ولكنه وهم في عزوه لمسلم، وهذا لم يخرجه مسلم أصلا، وإنما أخرجه الدارقطني والبيهقي. ويستحب إخراجها يوم الفطر قبل الخروج إلى الصلاة، وهو قول ابن عمر وابن عباس وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي والقاسم ومسلم بن يسار وأبي نضرة وعكرمة والضحاك والحكم بن عيينة وموسى بن وردان ومالك والشافعي وإسحاق وأهل كوفة، ولم يحك الترمذي فيه خلافا لما أخرج هذا الحديث، وحكى الخطابي الإجماع فيه، فقال في (معالم السنن): وهو قول عامة أهل العلم، ونقل الاتفاق في استحباب إخراجها في الوقت المذكور. أما جواز تقديمها عليه وتأخيرها عنه، فالخلاف فيه مشهور، وقد ذكرناه فيما مضى.
0151 حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا أبو عمر عن زيد عن عياض بن عبد الله بن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام. وقال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (يوم الفطر)، ولكن لا يدل على إخراجها قبل الخروج إلى الصلاة صريحا، كما
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»