عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٠٢
الشافعي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية: (إن وجدته في قرية مسكونة أو سبيل ميتا فعرفه، فإن وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس). وحديث عبد الله بن الصامت رواه ابن ماجة من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت، رضي الله تعالى عنه، قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المعدن جبار وجرحها جبار). والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار هو الهدر لا يغرم، وهذا منقطع لأن إسحاق لم يدرك عبادة. وحديث عمرو بن عوف المزني رواه ابن ماجة أيضا من رواية ابن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العجماء جرحها جبار والمعدن جبار)، ورواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) بهذا الإسناد مقتصرا على قوله: (وفي الركاز الخمس). وحديث جابر رواه أحمد والبزار من رواية مجالد عن الشعبي عن جابر، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السائبة...) الحديث، وفيه: (في الركاز الخمس). وحديث ابن مسعود رواه الطبراني في الكبير من رواية علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جبار والسائمة جبار وفي الركاز الخمس). وحديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، عند ابن أبي شيبة في (مصنفه) من رواية عكرمة عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس. وحديث زيد بن أرقم رواه الطبراني في (الكبير) من رواية الشعبي عن رجل عن زيد بن أرقم، قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا عاملا على اليمن، فأتى بركاز فأخذ منه الخمس ودفع بقيته إلى صاحبه، فبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه) وهذا منقطع لأجل الرجل الذي لم يسم. وحديث سراء بنت نبهان الغنوية رواه الطبراني في (الكبير) من حديث ساكنة بنت الجعد عن سراء بنت نبهان الغنوية، قالت: (احتفر الحي في دار كلاب فأصابوا بها كنزا عاديا، فقالت كليب: دارنا، وقال الحي: احتفرنا، فنافروهم في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بهم للحي وأخذ منهم الخمس)، الحديث فيه أحمد بن الحارث الغساني، قال البخاري فيه نظر، وقال أبو حاتم: متروك.
ذكر معناه: قوله: (العجماء) أي: البهيمة، وسميت العجماء لأنها لا تتكلم، وعن أبي حاتم: يقال لكل من لم يبين الكلام من العرب والعجم والصغار: أعجم ومستعجم، وكذلك من الطير والبهائم كلها، والاسم: العجمة. قوله: (جبار)، بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره راء: وهو الهدر، يعني: ليس فيه ضمان. وفي (التلويح): الجبار الهدر الذي لا قود فيه ولا دية، وكل ما أفسد وأهلك جبار، ذكره ابن سيده، وفيه حذف لا بد من تقديره، وهو فعل: العجماء جبار، لأن المعلوم أن نفس العجماء لا يقال لها هدر، وبلا تقدير لا يرتبط الخبر بالمبتدأ. قوله: (والبئر جبار)، معناه الرجل يحفر بئرا بفلاة أو بحيث يجوز له من العمران فيسقط فيها رجل أو يستأجر من يحفر له بئرا في ملكه فينهار عليه فلا شيى عليه، وكذا المعدن إذا استأجر من يحفره، وكذا في قوله: والبئر جبار، حذف تقديره: وسقوط البئر على الشخص جبار، أو: سقوط الشخص في البئر، وكذا التقدير في المعدن، والمشهور في البئر، بكسر الباء الموحدة بعدها همزة ساكنة، ويجوز تسهيلها. وقال ابن العربي: رواه بعضهم: النار جبار، وقال أهل اليمن يكتبون: النار، بالباء ومعناه عندهم أن من استوقد نارا يما يجوز له فتعدت إلى ما لا يجوز فلا شيء فيه، وروي في حديث جابر، والجب جبار، وهذا يدل على أن المراد: البئر لا النار، كما هو في الكتب الستة المشهورة، وورد في بعض طرق الحديث: الرجل جبار، فاستدل به من فرق في حالة كون راكبها معها بين أن يضرب بيدها أو يرمح برجلها، فإن أفسدت بيدها ضمنه، وإن رمحت برجلها لا يضمن. قوله: (وفي الركاز الخمس) أي: يجب، أو واجب.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه: الأول: مسألة العجماء، ظاهر الحديث مطلق، ولكنه محمول على ما إذا أتلفت شيئا بالنهار وأتلفت بالليل من غير تفريط من مالكها، أو أتلفت ولم يكن معها أحد، والحديث محتمل أيضا أن تكون الجناية على الأبدان، أو على الأموال، فالأول أقرب إلى الحقيقة، لأنه ورد في (صحيح مسلم) وفي (البخاري) أيضا في الديات: العجماء جرحها جبار، وفي لفظ: (عقلها جبار)، لما مر، وعلى كل تقدير لم يقولوا بالعموم في إهدار كل متلف من بدن أو مال عن ما بين في كتب الفروع، والمراد بجرح العجماء إتلافها، سواء كان بجرح أو غيره، وقال عياض: أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»