عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٨٠
بفعل الغير لقوله سبحانه وتعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (الأنفال: 52). وكذا في البرزخ، وأما آية الوازرة فإنما هي يوم القيامة فقط، وهذان الوجهان أحسن الوجوه الثمانية في توجيهه، إذ في البواقي تكلف: إما في لفظ الميت بأن يخصص بمن كانت النياحة من سننه، أو بالموصي، أو بالراضي بها، وإما في: يعذب، بأن يفسر: بيحزن، وأما في الباء: بأن تجعل للظرفية التي هي خلاف المتبادر إلى الذهب، وإما في البكاء بأن يجعل مجازا عن الأفعال المذكورة فيها.
قوله: (وإني لجالس بينهما أو قال: جلست إلى أحدهما)، هذا شك من ابن جريج. قوله: (ثم حدث) أي ابن عباس. قوله: (بالبيداء) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وهي: المفازة، ولكن المراد بها ههنا مفازة بين مكة والمدينة. قوله: (إذا هو بركب)، كلمة: إذا، للمفاجأة، والركب: أصحاب الإبل في السفر، وهو للعشرة فما فوقها. قوله: (سمرة)، بفتح السين المهملة وضم الميم: وهي شجرة عظيمة من شجر العضاة. قوله: (فإذا صهيب)، بضم الصاد: ابن سنان، بالنونين: كان من النمر، بفتح النون: ابن قاسط، بالقاف: كانوا بأرض الموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبيته وهو غلام صغير، فنشأ بالروم فاشتراه عبد الله بن جدعان، بضم الجيم وسكون الدال المهملة: التميمي فأعتقه، ثم أسلم بمكة وهو من السابقين الأولين المعذبين في الله تعالى، وهاجر إلى المدينة ومات بها سنة ثمان وثلاثين. قوله: (فالحق) بلفظ الأمر من اللحوق. قوله: (فلما أصيب عمر) يعني بالجراحة التي جرح بها والتي مات فيها، وفي رواية أيوب: أن ذلك كان عقيب الحجة المذكورة، ولفظه: (فلما قدمنا لم يلبث عمر أن أصيب)، وفي رواية عمر بن دينار: (لم يلبث أن طعن). قوله: (يبكي)، جملة وقعت حالا من صهيب، وكذلك يقول: حال، ويجوز أن يكون من الأحوال المترادفة، وأن يكون من المتداخلة. قوله: (واأخاه) كلمة: وا، من: واخاه، للندبة والألف في آخره ليس مما يلحق الأسماء الستة لبيان الإعراب، بل هو مما يزاد في آخر المندوب لتطويل مد الصوت، والهاء ليست بضمير بل هو هاء السكت، وشرط المندوب أن يكون معروفا، فلا بد من القول بأن الأخوة والصاحبية له كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة. قوله: (أتبكي علي؟) الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار. قوله: (قال ابن عباس: فلما مات عمر، رضي الله تعالى عنه)، هذا صريح في أن حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها، ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة عنها. قوله: (يرحم الله عمر)، من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 34). فاستغربت من عمر ذلك القول، فجعلت قولها: يرحم الله عمر تمهيدا ودفعا لما يوحش من نسبته إلى الخطأ. قوله: (والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وجه جزم عائشة بذلك أنها لعلها سمعت صريحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصاص العذاب بالكافر، أو فهمت الاختصاص بالقرائن. قوله: (ولكن رسول الله)، يجوز فيه تسكين النون وتشديدها. قوله: (حسبكم) أي: كافيكم من القرآن أيها المؤمنون هذه الآية * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الأنعام: 461، الإسراء: 51، فاطر: 81، والزمر: 7). قال الكرماني: فإن قلت: الآية عامة للمؤمن والكافر، ثم إن زيادة العذاب عذاب، فكما أن أصل العذاب لا يكون بفعل غيره فكذا زيادتها، فلا يتم استدلالها بالآية. فإن قلت: العادة فارقة بين الكافر والمؤمن، فإنهم كانوا يوصون بالنياحة بخلاف المؤمنين، فلفظ الميت وإن كان مطلقا مقيد بالموصي وهو الكافر عرفا وعادة. قوله: (قال ابن عباس عند ذلك) أي: عند انتهاء حديثه عن عائشة قال: (والله أضحك وأبكى) أي: إن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها، فضلا عن الميت، فكيف يعاقب عليها؟ وقال الداودي: معناه إن أذن الله في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه. وقال الكرماني: لعل غرضه من هذا الكلام في هذا المقام أن الكل يخلق الله وإرادته فالأولى فيه أن يقال بظاهر الحديث، وأن له أن يعذبه بلا ذنب ويكون البكاء عليه علامة لذلك، أو يعذبه بذنب غيره، سيما وهو السبب في وقوع الغير فيه، ولا يسأل عما يفعل، وتخصص آية الوازرة بيوم القيامة. وقال الطيبي: غرضه تقرير قول عائشة: أي: إن بكاء الإنسان وضحكه من الله يظهره فيه، فلا أثر له في ذلك، فعند ذلك سكت ابن عمر وأذعن قيل: سكوته لا يدل على الإذعان، فلعله كره المجادلة في ذلك المقام. وقال القرطبي: ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ. قوله: (ما قال ابن عمر شيئا) أي: بعد ذلك، يعني ما رد كلامه. وقال الخطابي: الرواية إذا ثبتت لم يكن إلى دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»