عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٣٩
عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال ماله ماله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرب ماله تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم.
مطابقته للترجمة في قوله: (وتؤتي الزكاة) فإنها ذكرت مقارنة للصلاة التي ذكرت مقارنة للتوحيد، فإن قوله: (تعبد الله ولا تشرك به شيئا) عبادة عن التوحيد.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة أبو عمر الحوضي. الثاني: شعبة بن الحجاج. الثالث: محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب، بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء وبالباء الموحدة. الرابع: موسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي، مات سنة أربع ومائة. الخامس: أبو أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد بن كليب، يقول في حديثه: إن رجلا. وقال ابن قتيبة: إن هذا الرجل هو أبو أيوب الراوي، ونسبه بعضهم إلى الغلط وهو غير موجه، إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له. فإن قلت: هذا يبعد ههنا لأنه جاء في رواية أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، التي تأتي بعد بأنه أعرابي. قلت: أجيب بالمنع لعدم المانع من تعدد القصة.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن شيخه من أفراده وأنه كوفي وشعبة واسطي وابن عثمان وموسى مدنيان. وفيه: ابن مختلف فيه هل هو محمد بن عثمان أو عمرو بن عثمان، وفي بعض النسخ: حدثنا شعبة عن محمد بن عثمان، ونذكر عن قريب وجه ذلك.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة. وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن عمرو بن عثمان عنه به، وعن محمد بن حاتم وعبد الرحمن بن نصر، كلاهما عن بهز عن شعبة عن محمد بن عثمان وأبيه عثمان به وعن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عنه به. وأخرجه النسائي في الصلاة وفي العلم عن محمد بن عثمان بن أبي صفوان عن بهز به.
ذكر معناه: قوله: (يدخلني) الجزم فيه على جواب الأمر غير مستقيم، لأنه إذا جعل جواب الأمر يبقى قوله: بعمل، غير موصوف، والنكرة غير الموصوفة لا تفيد، كذا قاله صاحب (المظهر) شارح (المصابيح) قلت: التنكير في: بعمل، للتفخيم أو التنويع، أي: بعمل عظيم أو معتبر في الشرع، أو نقول، إذا صح الجزم فيه: إن جزاء الشرط محذوف تقديره: أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة، فالجملة الشرطية بأسرها صفة: لعمل. فافهم. قوله: (ماله ماله؟) كلمة: ما للاستفهام والتكرار للتأكيد، قاله ابن بطال: ويجوز أن تكون بمعنى: أي شيء جرى له، قوله: (ارب) اختلفوا في هيئة هذه الكلمة وفي معناها أيضا، أما في الأول فقيل، ارب، بفتح الهمزة وكسر الراء وتنوين الباء: على وزن حذر، وقال ابن قرقول: يروى: أرب ماله: اسم فاعل حذر. قلت: لا يسمى مثل هذا اسم فاعل، بل هو صفة مشبهة، وقيل: أرب، بفتح الهمزة وفتح الراء أيضا وتنوين الباء، وقيل: أرب، بفتح الهمزة وفتح الراء وفتح الباء على صيغة الماضي، وروي هذا عن أبي ذر، وقيل: على صيغة الماضي، ولكنه بكسر الراء، فهذه أربعة أقوال. وأما اختلافهم في المعنى ففي الوجه الأول معناه: صاحب الحاجة، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو أرب، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه حريص في سؤاله، قال: ما له متعجبا من حرصه بطريق الاستفهام، وفي الوجه الثاني: معناه له أرب، أي: حاجة، فيكون ارتفاعه على أنه مبتدأ خبره محذوف. وفي الوجه الثالث والرابع اللذين بصورة الماضي على اختلاف حركة عين الفعل، معناه: احتاج فسأل عن حاجته. وقال النضر بن شميل، يقال: أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده. وقال ابن الأنباري: سقط آرابه، أي: أعضاؤه، ومفرده: الأرب، هذه كلمة لا يراد بها وقوع الأمر. كما تقول: تربت يداك، وإنما تستعمل عند التعجب. وقيل: لما رأى الرجل يزاحم دعا عليه دعاء لا يستجاب في المدعو عليه. وقال الأصمعي: أرب الرجل في الشيء إذا صار ماهرا فيه، فيكون المعنى التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته، فلذلك قال: ماله، بالاستفهام:
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»