عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٨٥
ابن أبي شيبة، وهو الذي ذكرناه الآن، وهو من المسائل المختلف فيها، وورد فيها من صحيح الحديث ما أخرجه مسلم عن أبي مرثد الغنوي مرفوعا: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) قلت: ليت شعري كيف يكون ما ذكره من هذا جوابا لدفع المعارضة والجواب ما ذكرناه، ثم قال هذا القائل: وقال النووي: المراد بالجلوس القعود عند الجمهور، وقال مالك: المراد بالقعود الحدث وهو تأويل ضعيف أو باطل قلت: شدة التعصب يحمل صاحبه على أكثر من هذا، وكيف يقول النووي: إن تأويل مالك باطل وهو أعلم من النووي؟ ومثله بموارد الأحاديث والآثار؟ وقال هذا القائل أيضا، بعد نقله عن النووي: وهو يوهم بانفراد مالك بذلك، وكذا أوهمه كلام ابن الجوزي، حيث قال جمهور الفقهاء على الكراهة خلافا لمالك، وصرح النووي في (شرح المهذب): أن مذهب أبي حنيفة كالجمهور، وليس كذلك، بل مذهب أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك لما نقله عنهم الطحاوي واحتج له بأثر ابن عمر المذكور. وأخرج عن علي نحوه. قلت: الدعوى بأن الجمهور على الكراهة غير مسلمة، لأن المخالف لهم: مالك وعبد الله بن وهب وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والطحاوي، ومن الصحابة: عبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب، فكيف يقال بأن الجمهور على الكراهة ونحن أيضا نقول الجمهور على عدم الكراهة، ثم قال هذا القائل: ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمر بن حزم الأنصاري مرفوعا: (لا تقعدوا على القبور)، وفي رواية عنه: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر، فقال: لا تؤذ صاحب القبر)، إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته. قلت: المراد من النهي عن القعود على القبور، هو النهي عن القعود لأجل الحدث، حتى يندفع التعارض بينه وبين ما رواه أبو هريرة، ولا يلزم من النهي عن القعود على القبر لأجل الحدث نفي حقيقة القعود.
1631 حدثنا يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لم صنعت هاذا فقال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم أخذ جريدة..) إلى آخره، وهذا الحديث وهذا الحديث قد مضى في كتاب الوضوء في: باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، أخرجه هناك: عن عثمان عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما...) الحديث، غير أن هناك: عن مجاهد عن ابن عباس، وههنا: عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس، وكلاهما صحيح، لأن مجاهدا يروي عن ابن عباس وعن طاووس أيضا، وعكس الكرماني فقال ههنا: عن مجاهد عن ابن عباس، وهناك: عن مجاهد عن طاووس، وهذا سهو منه، وشيخه هناك يحيى، ذكره غير منسوب، فقال الغساني: قال ابن السكن: هو يحيى بن موسى، وقال الكلاباذي: سمع يحيى بن جعفر أبا معاوية وهو محمد بن خازم، بالخاء المعجمة والزاي: الضرير، وبه جزم أبو نعيم في (مستخرجه) أنه يحيى بن جعفر، وجزم أبو مسعود في (الأطراف): والحافظ المزي أيضا بأنه يحيى بن يحيى، ومضى الكلام في الحديث هناك مبسوطا مستوفى.
28 ((باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله)) أي: هذا باب في بيان وعظ المحدث عند القبر، والموعظة مصدر ميمي يقال: وعظ يعط وعظا وموعظة، والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، تقول: وعظته وعظا وعظة فاتعظ أي: قبل الموعظة. قوله: (وقعود أصحابه)، بالجر عطف على قوله:
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»