عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٨٥
في ذلك بما رواه مسلم عن ثوبان: أفضل الأعمال كثرة الركوع والسجود، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سأله ربيعة بن كعب مرافقته في الجنة، قال: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، واحتجوا أيضا بما رواه ابن ماجة من حديث عبادة بن الصامت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله، عز وجل، له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة، ورفع لها بها درجة، فاستكثروا من السجود). وروى ابن ماجة أيضا من حديث كثير بن مرة: (أن أبا فاطمة حدثه، قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله! قال: عليك بالسجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) وبما روى الطحاوي، قال: حدثنا فهد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدثنا أبو الأحوص وخديج عن أبي إسحاق (عن المخارق، قال: خرجنا حجاجا فمررنا بالربذة، فوجدنا أبا ذر قائما يصلي، فرأيته لا يطيل القيام ويكثر الركوع والسجود، فقلت له في ذلك فقال: ما ألوت أن أحسن أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ركع ركعة وسجد سجدة رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة). وأخرجه أحمد أيضا في (مسنده) والبيهقي في (سننه). قلت: أبو الأحوص سلام بن سليم، وخديج بن معاوية ضعفه النسائي، وقال أحمد: لا أعلم إلا هيرا. واسم أبي إسحاق: عمرو ابن عبد الله السبيعي، والمخارق، بضم الميم: غير منسوب، قال الذهبي: مجهول. وفي (التكميل)؛ وثقه ابن حبان، والربذة: قرية من قرى المدينة بها قبر أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، واسم أبي ذر: جندب بن جنادة الغفاري. قوله: (ما ألوت) أي: ما قصرت، وروى الطحاوي أيضا من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أنه: (رأى فتى وهو يصلي وقد أطال صلاته، فلما انصرف منها قال: من يعرف هذا؟ قال رجل: أنا. فقال عبد الله: لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قام العبد يصلي أتى بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه). وأخرجه البيهقي أيضا، ويقول أهل هذه المقالة: قال الأوزاعي والشافعي: في قول، وأحمد في رواية، ومحمد بن الحسن، ويحكى ذلك عن ابن عمر، وذهب قوم إلى أن طول القيام أفضل، وبه قال الجمهور من التابعين وغيرهم، ومنهم مسروق وإبراهيم النخعي والحسن البصري وأبو حنيفة. وممن قال به أبو يوسف والشافعي في قول، وأحمد في رواية، وقال أشهب: هو أحب إلي لكثرة القراءة، واحتجوا في ذلك بحديث الباب، وبما رواه مسلم من حديث جابر: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟
قال: طول القنوت). وأراد به طول القيام، وبما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن حبش الخثعمي: (إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القيام). وهذا يفسر قوله صلى الله عليه وسلم: (طول القنوت) وإن كان القنوت يأتي بمعنى: الخشوع وغيره.
ومما يستفاد من الحديث المذكور أنه ينبغي الأدب مع الأئمة الكبار، وأن مخالفة الإمام أمر سوء، قال تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * (النور:). الآية.
6311 حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا خالد بن عبد الله عن حصين عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك.
.
قال ابن بطال: هذا الحديث لا دخل له في الباب لأن شوص الفم لا يدل على طول الصلاة. قال: ويمكن أن يكون ذلك من غلط الناسخ، فكتبه في غير موضعه أو أن البخاري أعجلته المنية عن تهذيب كتابه وتصفحه، وله فيه مواضع مثل هذا تدل على أنه مات قبل تحرير الكتاب. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون أراد أن حذيفة روى قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى..) الحديث. فكأنه لما قال: يتهجد، وذكر حديثه في السواك، وكان يتسوك حين يقوم من النوم، ولكل صلاة ففيه إشارة إلى طول القيام، أو يحمل على أن في الحديث إشارة من جهة أن استعمال السواك حينئذ يدل على ما يناسبه من إكمال الهيئة والتأهب للعبادة، وذلك دليل على طول القيام، إذ النافلة المخففة لا يتهيأ لها هذا التهيؤ الكامل. انتهى. وقيل: أراد بهذا الحديث استحضار حديث حذيفة المذكور الذي أخرجه مسلم، وإنما لم يخرجه لكونه على غير شرطه. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون بيض الترجمة بحديث
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»