عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١١٨
حتى لو نوى الإقامة في بر أو بحر أو جزيرة لم يصح اتحاد الموضع. رابعها: المدة. خامسها: الاستقلال بالرأي. حتى لو نوى من كان تبعا لغيره كالجندي والزوجة والرقيق والأجير والتلميذ مع أستاذه والغريم المفلس مع صاحب الدين لا تصح نيته إلا إذا نوى متبوعه، ولو نوى المتبوع الإقامة ولم يعلم بها التابع فهو مسافر، كالوكيل إذا عزل، وهو الأصح، وعن بعض أصحابنا: يصيرون مقيمين ويعيدون ما أدوا في مدة عدم العلم.
2 ((باب الصلاة بمنى)) أي: هذا باب في بيان الصلاة بمنى، يعني: في أيام الرمي، وإنما لم يذكر حكم المسألة بل قال: باب الصلاة بمنى على الإطلاق لقوة الخلاف فيها، وإنما خص منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع في ذلك قديما، ومنى يذكر ويؤنث بحسب قصد الموضع والبقعة. قيل: فإذا ذكر صرف وكتب بالألف، وإذا أنث لم يصرف وكتب بالياء، وذكر الكلبي: إنما سميت منى، لأنها مني بها الكبش الذي فدى به إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، من: المنية. ويقال: إن جبريل، عليه الصلاة والسلام، لما أتى آدم بمنى قال له: تمن. قال البكري: هو جبل بمكة معروف. وقال أبو علي الفارسي: لامه ياء، من منيت الشيء إذا قدرته. وقال الفراء: الأغلب عليه التذكير. وقال الحازمي: إن منى صقع قرب مكة، وهو أيضا هضبة قرب قرية من ديار غني بن أعصر، وقد امتنى القوم إذا أتوا منى، قاله يونس. وقال ابن الأعرابي: أمني القوم.
2801 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها.
(الحديث 2801 طرفه في: 5561).
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإطلاق الذي فيها، فإن الإطلاق فيها يتناول الصلاة ركعتين ويتناولها أربعا أيضا، فصارت المطابقة من جهة التفصيل بعد الإجمال، أو من جهة التقييد بعد الإطلاق، ولكن حكم المسألة كما ينبغي لا يفهم منه، وهو أن المقيم بمنى هل يقصر أو يتم، فلذلك لم يذكر حكمها في الترجمة، وسنبينها إن شاء الله تعالى.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن المثنى وعبيد الله ابن سعيد. وأخرجه النسائي فيه عن عبيد الله بن سعيد.
قوله: (بمنى) في رواية مسلم عن سالم عن أبيه: (بمنى وغيره)، قوله: (صدرا) أي: أول خلافته وهي ست سنين أو ثمان سنين على خلاف فيه. قوله: (من إمارته)، بكسر الهمزة، وهي خلافته. قوله: (ثم أتمها) أي: بعد ذلك، لأن القصر والإتمام جائزان، ورأى ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة، وفي رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم: (ثم إن عثمان صلى أربعا فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين). وفي رواية لمسلم عن حفص بن عاصم (عن ابن عمر، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين). وروى أبو داود الطيالسي في (مسنده) عن زمعة عن سالم (عن ابن عمر، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة السفر ركعتين، ثم صلى أبو بكر ركعتين، ثم صلى بعده عمر ركعتين، ثم صلى بعده عثمان ركعتين، ثم إن عثمان أتم بعد).
ذكر ما يستنبط منه: قال ابن بطال: اتفق العلماء على أن الحاج القادم مكة يقصر الصلاة بها وبمنى، وبسائر المشاهد لأنه عندهم في سفر، لأن مكة ليست دار أربعة إلا لأهلها أو لمن أراد الإقامة بها، وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها، فلذلك لم ينو رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة بها ولا بمنى، قال: واختلف العلماء في صلاة المكي بمنى، فقال مالك: يتم بمكة ويقصر بمنى، وكذلك أهل منى، يتمون بمنى ويقصرون بمكة، وعرفات. قال: وهذه المواضع مخصوصة بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصر بعرفة لم يميز من وراءه، ولا قال لأهل مكة: أتموا، وهذا موضع بيان. وممن روي عنه أن المكي يقصر بمنى ابن عمر وسالم والقاسم وطاووس، وبه قال الأوزاعي وإسحاق، وقالوا: إن القصر سنة الموضع، وإنما يتم بمنى وعرفات من
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»