عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٩
لا يقتضي التكرار، فتتعين الركعة الأولى منها، وإنما أوجبناها في الثانية استدلالا بالأولى، لأنهما تتشاكلان من كل وجه، وقد ذكرنا فيما مضى أن القراءة في الصلاة مستحبة غير واجبة عند جماعة منهم الأحمر وابن علية والحسن بن صالح والأصم، وروى الشافعي عن مالك بإسناده عن محمد بن علي بن الحسين: أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، صلى المغرب فلم يقرأ فيها شيئا، فقيل له، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن. قال: فلا بأس. قلنا هذا منقطع بين محمد بن علي وبين عمر، وفي إسناده أيضا مجهول. وفي (شرح مسند الشافعي) لأبن الأثير: روى الشعبي عن زياد بن عياض عن أبي موسى: صلى عمر فلم يقرأ شيئا فأعاد، قال: ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عمر: أنه صلى المغرب فلم يقرأ فأعاد، وروى الشافعي، فيما بلغه عن زيد بن حبان: عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الحارث عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال له رجل: إني صليت فلم أقرأ. قل: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم. قال: تمت صلاتك. وقال ابن المنذر: روينا عن علي أنه قال: إقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين. وعن مالك رواية شاذة إن الصلاة صحيحة بدون القراءة، وقال ابن الماجشون: من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو أي صلاة كانت تجزيه سجدتا السهو. وروى البيهقي عن زيد بن ثابت: القراءة في الصلاة سنة. وعن الشافعي في القديم: إن تركها ناسيا صحت صلاته. وفي (المصنف) من جهة أبي إسحاق عن علي وعبد الله بن مسعود، أنهما قالا: إقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين. وعن منصور، قال: قلت لإبراهيم: ما نفعل في الركعتين الأخريين من الصلاة؟ قال: سبح واحمد الله وكبر. وعن الأسود وإبراهيم والثوري كذلك.
الوجه الثاني: استدل بقوله: (أركد في الأوليين) من يرى تطويل الركعتين الأوليين على الأخريين في الصلوات كلها، وهو مذهب الشافعي، حكاه في (المهذب). وفي (الروضة): الأصح التسوية بينهما وبين الثالثة والرابعة، قال: والمختار تطويل أولى الفجر على الثانية وغيرها، وهو قول محمد بن الحسن والثوري وأحمد بن حنبل، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يطيل الركعة الأولى على الثانية إلا في الفجر خاصة. وفي (شرح المهذب) لأصحابنا وجهان، أشهرهما: لا يطول، والثاني: يستحب تطويل القراءة في الأولى قصدا، وهو الصحيح المختار، واتفقوا على كراهة إطالة الثانية على الأولى إلا مالكا، فإنه قال: لا بأس أن يطيل الثانية على الأولى، مستدلا بأنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى: بسورة الأعلى، وهي تسع عشرة آية، وفي الثانية: بالغاشية وهي ست وعشرون آية. وفي الصلاة لأبي نعيم: حدثنا شيبان عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى من الظهر والعصر والفجر، ويقصر في الأخرى، فإن جهر فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر فيه، فعند أبي حنيفة يسجد للسهو، وعن أبي يوسف: إن جهر بحرف يسجد، وفي رواية عنه: إن زاد فيما يخافت فيه على ما يسمع أذنيه فتجب سجدتا السهو، والصحيح أنها تجب إذا جهر مقدار ما تجوز به الصلاة، وفي (المصنف): ممن كان يجهر بالقراءة في الظهر والعصر خباب بن الأرت وسعيد بن جبير والأسود وعلقمة، وعن جابر قال: سألت الشعبي وسالما وقاسما والحكم ومجاهدا وعطاء عن الرجل يجهر في الظهر والعصر؟ فقالوا: ليس عليه سهو. وعن قتادة: أن أنسا جهر فيهما فلم يسجد، وكذا فعله سعيد بن العاص إذ كان أميرا بالمدينة. وفي (التلويح): ويستدل لأبي حنيفة بما رواه أبو هريرة من كتاب ابن شاهين بسند فيه كلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر). وفي (المصنف) عن يحيى بن كثير: (قالوا يا رسول الله: إن هنا قوما يجهرون بالقراءة بالنهار! فقال: ارموهم بالبعر). وعن الحسن وأبي عبيدة: صلاة النهار عجماء. وقال صاحب (التلويح): وحديث ابن عباس: صلاة النهار عجماء، وإن كان بعض الأئمة قال: هو حديث لا أصل له باطل، فيشبه أن يكون ليس كذلك لما أسلفناه.
الوجه الثالث: أن الإمام إذا شكا إليه نائبه بعث إليه واستفسره عن ذلك في موضع عمله عن أهل الفضل فيهم، لأن عمر، رضي الله تعالى عنه، كان يسأل عنه في المسجد أهل ملازمة الصلاة فيها. وفيه: جواز عزله وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت لذلك المصلحة. قال مالك: قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة، والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة. وفي رواية سيف، قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته. وقيل: عزله إيثارا
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»